وأما التجاهل فهو واضح من قوله : «فهل المراد من هذا أنه لا يعرف المعروف من المنكر»! فإن هذا لا علاقة له البتة بقولي في تخريج الخبر : «لا أعرفه». فما معنى تساؤله المذكور إلا لتجاهل المقصود للمراد ، وصرف الكلام إلى ما ليس له علاقة بالبحث ، ليروي بذلك غيظ قلبه ، ويظهر للناس كمين حقده ، وعظيم حسده ، بسوء لفظه ، حتى لا يدري ما يخرج من فمه. نسأل الله العافية.
وبعد كتابة ما تقدم رجعت إلى كتاب «المصنوع في معرفة الموضوع» للشيخ العلامة منلا علي القاري ، المطبوع حديثا. بتحقيق وتعليق صاحب التقرير الجائر ، فوجدت فيه عديدا من الأحاديث التي قال الحافظ السخاوي في كل واحد منها : «لا أعرفه» وهي برقم (١ ، ٢ ، ١٢ ، ١٦ ، ٤٣ ، ٨٣ ، ٩٨ ، ١٥٨ ، ١٦٣ ، ١٨٦ ، ٢٠٥ ، ٢٨٢ ، ٢٩٤ ، ٣٠٩ ، ٣٣٦ ، ٣٨١) ، وذكر مثله عن الحافظ ابن حجر في الحديث (٢٧٣) ، وقال هو في الحديثين (٢٩٧ ، ٣٠٢) : غير معروف.
قلت : فهل معنى قولهم : «لا أعرفه» ، أو «غير معروف» ، أنهم لا يعرفون المتن؟ طبعا : لا ، لما سبق بيانه.
وقد رأيت هذا المتعصب قال في تقدمته للكتاب (ص ٨) تحت عنوان «شذرات في بيان بعض عبارات المحدثين حول الأحاديث الموضوعة» :
«١ ـ قولهم في الحديث : لا أصل له ، أو لا أصل له بهذا اللفظ ، أو ليس له أصل ، أو لا يعرف له أصل ، أو لم يوجد له أصل ، أو لم يوجد ، أو نحو هذه الألفاظ ، يريدون أن الحديث المذكور ليس له إسناد ينقل به». ثم نقل عن ابن تيمية أن معنى قولهم : ليس له اصل ، أو لا أصل له ، معناه : ليس له إسناد.
قلت : فأنت ترى أن المنفي في هذه الأقوال إنما هو الإسناد ، وليس المتن ، باعتراف المتعصب نفسه ، فهو على علم به ، فهذا يرجح أنه تجاهل هذه الحقيقة ، حين انتقدني على قولي في بعض الأحاديث : «لا أعرفه» ، وعليه فقوله : «فكان ما ذا إذا عرفه غيره كالشارح أو غيره مثلا» ، يعني أنه عرف إسناده الشارح أو غيره ، فنقول : هذه دعوى ، والله عزوجل يقول : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، ورحم الله من قال :