صرح (ص ٤٦١) : بأن للحنفية في الحديث أصولا ، كما أن للمحدثين أصولا!
وكل هذه الأقوال مر عليها المتعصب الجائر مرور المسلم بها ، فإنه سكت عنها ، ولم يتعقبها بشيء ، بل ذكر في تعليقه على الصفحة (٢١) انه عدل اسم هذه المقدمة ـ بموافقة المؤلف إلى : «قواعد في علوم الحديث»!
قلت : وكم كان يكون طريفا جدا لو أنه ألحق بهذا الاسم الجديد قوله : «على مذهب الحنفية» ، ليكون عنوانا صادقا عن مضمون الكتاب وحقيقته ، فإنه في الواقع ، قد اشتمل على قواعد كثيرة لهم ، خالفوا فيها جماهير علماء الحديث قديما وحديثا. وما ذلك إلا ليتسنى لهم ـ بناء عليها في تصحيح ما ضعفه علماء الحديث ، أو تضعيف ما صححوا! كما أشار إلى ذلك بقوله المتقدم : «فرب ضعيف عند المحدثين صحيح عند غيرهم» يعني الحنفية!
يقول هذا مع أن من فصول كتابه (ص ٤٤٠) : «يرجع في كل علم إلى أهله ورجاله»!
ثم أيده بكلام جيد نقله من «منهاج السنة» ، لشيخ الاسلام ابن تيمية فكيف يتفق هذا مع ما قبله يا أولي النهى!
والحقيقة أن هذه المقدمة لم تأت بجديد بالنسبة للعارفين بما عليه الحنفية من التعصب لأقوال علمائهم ، حتى المتأخرين منهم ، الذين يصرحون بأنهم مقلدون لمن قبلهم ـ زعموا ـ وليسوا مجتهدين. أي علماء ، عند أهل العلم والتحقيق! وذلك بتأويلهم النصوص ، أو رد ما يمكن رده منها حين لا يساعدهم التأويل ، وبتقويتهم للأحاديث المعروفة الضعف عند المحدثين ، وإنما الجديد في المقدمة المذكورة هو التصريح بما لا يعرفه أكثر الناس عنهم ، حتى عامة الحنفية أنفسهم ، ألا وهو أن للحنفية في الحديث أصولا كما أن للمحدثين أصولا! وذلك ليرجعوا إليها عند الاختلاف في المسائل الفقهية أو غيرها ، ويبرروا لأنفسهم عدم الرجوع إلى القواعد المعروفة عند أهل العلم المتخصصين في الحديث!
وعلى هذا فلا لوم على الفرق الضالة المخالفة لأهل السنة ، إذ ما رجعوا عند الاختلاف إلى أصولهم التي ارتضوها لأنفسهم ، كاحتجاج الشيعة مثلا ، بكل ما يروى عن أئمة أهل البيت رضي الله عنهم ، بدعوى أنهم معصومون!