وليتأمل العاقل المنصف كم تتسع شقة الخلاف بين المذاهب الأربعة فضلا عن غيرهم ، إذا ما قامت كل طائفة منهم لتضع لها أصولا في رواية الحديث غير مبالية بجهود أهل الحديث واختصاصهم فيه؟!
وإليك الآن بعض تلك القواعد التي بينها المؤلف المشار إليه في «المقدمة» وارتضاها المتعصب :
١ ـ المجتهد إذا استدل بحديث كان تصحيحا له. (ص ٥٧ ـ ٥٩. ص ٦٥ ـ تعليق).
وغرضهم من هذه القاعدة التمهيد لرد تضعيف المحدثين لكثير من أحاديثهم التي يستدلون بها في كتبهم ، وهي على قواعدهم معلولة ، بالركون إلى هذه القاعدة المزعومة ، وصححوا الحديث بها! ومما يؤكد ما قلنا قول المؤلف (ص ٥٩) :
«قلت : فكل حديث ذكره محمد بن الحسن الامام ، أو المحدث الطحاوي محتجين به فهو حجة صحيحة على هذا الأصل لكونهما محدثين مجتهدين!»
قلت : يقول هذا مع أن محمد بن الحسن رحمهالله تعالى على جلالته في الفقه ، فهو مضعف عند المحدثين ، لسوء حفظه ، كما تراه مشروحا في «ميزان الاعتدال» للحافظ الذهبي وغيره. ومن تعصبهم على المحدثين وسوء ظنهم بهم ، ما نقله المعلق على الكتاب (ص ٣٤٣) عن الكشميري الحنفي أن وجه تضعيفهم إياه بأنه كان أول من جرد الفقه من الحديث ، وكانت مشاكلة التصنيف قبل ذلك ذكر الآثار والفقه مختلطا ، فلما خالف رأيهم طعنوا عليه في ذلك»!
هكذا قال! مع أنه يعلم أن الطعن عندهم فيه ، إنما هو سوء الحفظ قال الذهبي في ترجمته محمد بن الحسن في «الميزان» :
«ليّنه النسائي وغيره من قبل حفظه».
وقد حكاه عنه المؤلف نفسه (ص ٣٤٤) ، ولكنه جاء بباقعة (١) أخرى فقال في لتعليق عليه :
«قلت : تشدده معلوم»! يعني الامام النسائي!
٢ ـ قبول مرسل غير الصحابي من أهل القرن الثاني والثالث (ص ١٣٨) ، والقرن الرابع أيضا (ص ٤٥٠).
__________________
(١) الباقعة : الداهية والطائر المحتال.