المشتهيات ، فإن الشهوة ذات مراتب متفاوتة شدّة وضعفا بالنسبة إلى شخص واحد في حالات مختلفة ، فضلا عن الأشخاص.
فالآية المباركة تبيّن طبع الإنسان على نحو القضية الحقيقيّة ، كما أنها ليست في مقام حصر الشهوات ، فقد يتعلّق حبّ الإنسان بالجاه والمقام ونحو ذلك ، وإن كانت المشتهيات الاخرى ـ التي لم تذكر في الآية الشريفة ـ أقلّ تأثيرا ممّا ذكر فيها ، فهي امور وهمية تتعلّق بها الرغبة ومقصودة ثانوية ، فيكون الحصر إضافيا ، فلا منافاة بين هذه الآية الشريفة وبين قوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) [سورة الكهف ، الآية : ٤٦] ، وسيأتي في البحث العلمي ما يتعلّق به.
وتعلّق حبّ الإنسان بهذه الثلاثة واضح ، لأن بها ينتظم النظام الاجتماعي في هذه الدنيا ، بل النظام الفردي والاقتصادي فيها ، وبها تتحقّق أغلب رغباته ، وبقدر اشتداد هذه المشتهيات وضعفها يتحدّد سلوك الإنسان ويتعيّن خلقه في الدنيا ومصيره في الآخرة ، فإن بالنساء تتحقّق المعاشرة الزوجية إليهن وتسكن النفوس ، وهن الطرف الآخر من الحياة التي عليهن مسئوليات كثيرة في الكفاح والعيش ، فالمرأة والرجل متشابكان في عموم المنافع وانتظام النظام ، ولأجل ذلك أسّس العلماء قاعدة اصطلحوا عليها بقاعدة الاشتراك ، أي اشتراك النساء مع الرجال في الأحكام ، إلا ما خرج بالدليل ، وقد حدّد الشرع المقدّس هذه الشهوة بحدود خاصّة تحدّد مسئولية كلّ واحد منهما في هذه الحياة وتنظم شؤونهما ، والتعدّي عنها يوجب الفساد والدمار.
وإنما لم يذكر عزوجل حبّ النساء للرجال ـ مع أن الناس في صدر الآية الشريفة يشمل كلا منهما ، كما أن بقية الشهوات عامة لهما ـ إما لأن من أدب القرآن الكريم والسنّة الشريفة الستر على النساء مهما أمكن ، أو لأجل أن كثيرا من الأمور التي تتعلّق بهذه الشهوة إنما يتعلّق بالرجال وتقلّ في جانب النساء ، فإن الأشد ولعا بحبّ النساء واتخاذهن صواحب في اللذائذ ونحو ذلك هم الرجال ، كما أنهن أشد تأثيرا على الرجال ، إذا اشتد الغرام والتعشّق بهن.