وإثبات التكليف والتشريع وتثبيت قانون الجزاء.
الثالث : أن التزيين على حبّ الشهوات دون نفسها ، للدلالة على أن تلك الأمور بنفسها لم تكن مذمومة ، فإن الشهوات الإنسانية لها دخل في الحياة وبها يتمّ النظام ، ولكن إن تعلّق الحبّ بها بحيث يكون صدّا عن الله تعالى ، فيرجع تزيين حبّها للناس إلى جعل هذه الأمور في أعينهم بحيث يكون شغلهم الشاغل ، والتولية فيها سببا للإعراض عن الله تعالى ، بأن يجعلوها أهدافا لهم فقط لا وسيلة فيكون هذا الحبّ مذموما وتزداد المذمّة كلّما اشتدّ الحبّ ، وتخف كلّ ما خف وضعف حتى يصل إلى مرتبة الحبّ النظامي الذي هو من لوازم الطبيعة الإنسانيّة ووسيلة تنظيم الحياة لكسب مرضاة الله تعالى ، فتزول المذمّة رأسا ، ويكون خلافه نقصا ومذموما ، ويستفاد ما ذكرناه من جملة من الآيات الشريفة ، منها قوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) [سورة الأعراف ، الآية : ٣٢] ، وقوله تعالى : (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) [سورة القصص ، الآية : ٧٧] ، إلى غير ذلك من الآيات المباركة ، وعلى ذلك يحمل ما ورد عن المعصومين عليهمالسلام في مدح بعض المشتهيات ، منها ما عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «أحببت من دنياكم ثلاث : الطيب ، والنساء ، وقرّة عيني الصلاة».
الرابع : قد ورد في الآية الشريفة أقسام الشهوات التي تختلف رغبات الناس فيها ـ كما مرّ ـ فهم على أصناف بالنسبة إلى حبّها ، فمنهم من يتعلّق حبّه بالنساء ولاهم إلا التعشّق بهن وصرف همه في المؤانسة بهن ومصاحبتهن ، وإن استلزم المحرّمات ووجوه الفساد ، ومنهم من يحبّ التكاثر والتقوي بالأولاد ، وهذا لا يكون إلا بالبنين دون البنات ، ولهذا خصّ ذكرهم دونهن ، ومنهم من هو مغرم بالمال وجمعه ، وهذا يتحقّق بالذهب والفضة اللذين بهما يتقوّم سائر الأشياء ، ويكون حبّه لغيرهما بالتبع ، ومنهم من يحبّ الحرث والزرع أو اتخاذ الأنعام ، ومنهم من يحبّ الفروسيّة فيتخذ الخيل المسوّمة.