وربما يتحقّق في شخص واحد قسم واحد من هذه الشهوات ، وربما يجتمع أكثر من واحد ، وقلّما يجتمع جميعها في شخص واحد ، فالآية الشريفة مع أنها في مقام بيان تعداد المشتهيات وتكثّرها ، تكون في مقام بيان أصناف الناس واختلافهم في حبّ هذه المشتهيات بالملازمة.
الخامس : يدلّ قوله تعالى : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) ، على أن ما في الآخرة مشابه لما في الدنيا ، وأن الإنسان يلتذّ بنعيم الآخرة كما يلتذّ بنعيم الدنيا من المأكل والمشرب والمناكح وغير ذلك ، وأن الفرق هو أن نعيم الآخرة لا يشوبه نقص وأنه يختصّ بالمؤمن ، بخلاف نعيم الدنيا ، وذلك لأن وجود الإنسان في الآخرة عين وجوده في الدنيا ، فهو بنفسه متقوّم بالاستفادة من اللذائذ دنيويّة كانت أو اخرويّة ، ولكلّ منهما أسباب خاصة تختلف باختلاف العوالم ، وهو لا يوجب الاختلاف بحيث يعرض عن نعيم الآخرة وتكون باطلة وعبثا بالنسبة إليه ، ويدلّ على ما قلناه جميع الكتب السماويّة ، خصوصا القرآن الكريم في مواضع متعدّدة ، ويؤكّد ذلك في قوله تعالى في آخر هذه الآية : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) ، وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام إن شاء الله تعالى.
السادس : يدلّ قوله تعالى : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) ، على نوعين من الجزاء ..
أحدهما : جسماني ، وهو الجنّات التي تجري فيها الأنهار والأزواج الطاهرة.
والثاني : العقلي الروحاني الذي هو من أعظم اللذّات ، وهو رضوان من الله تعالى الذي لا يتصوّر فوقه لذّة.
السابع : يدلّ قوله تعالى : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي) على مراتب الجنّة ، واختلاف درجات أهل الجنّة ، وأنهم على مراتب ودرجات.
الثامن : يستفاد من قوله تعالى : (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أن هذه الشهوات هي امور دنيئة بالنسبة إلى ما عند الله عزوجل من الرضوان والجنان ،