وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٠] ، والإنسان قرين هذه الشهوات والغرائز ، وقد يجتمع بعضها في سائر الحيوانات ، إلا أن الفرق بين الإنسان وغيره ، أن الله تعالى خلق الإنسان حيوانا عاقلا درّاكا مريدا ، وهذه من مختصّاته ولا توجد في غيره إلا على درجات ضعيفة ، فهو الذي يقدر على جمع القوى المتخالفة المتواجدة فيه ، ويجعلها تحت زمام العقل والإرادة المنبعثة من التعقّل والتفهّم والدرك الصحيح ، ولأجل ذلك صار الإنسان محور التكاليف الشرعيّة ومنشأ لإرسال الرسل وإنزال الكتب الإلهيّة ، وكلّ ما كانت القوة العاقلة هي الحاكمة في أفعال الإنسان وإحساساته وشؤونه ، كلّ ما كان أقرب إلى الكمال وأبعد عن الرذائل والفساد ، وأما إذا تغلّبت عليه إحدى القوى العاملة فيه ، كان أقرب إلى الفساد وأبعد عن الصلاح ، وللتكاليف الإلهيّة شأن كبير في تهذيب النفس وتأمير القوّة العاقلة على جميع الشهوات واستيلائها على غيرها ، ولذا كان لهذه القوّة شأن كبير في سلوك الإنسان وتهذيبه وإصلاحه ، سواء السلوك الفردي أم السلوك الجماعي ، ولكن ليست لسائر القوى المتواجدة في الإنسان السيطرة على سلوكه لوحدها ، وإن كان لها الأثر الكبير إن لم يقم الفرد في تهذيبها وإصلاحها بما يراه الله تعالى.
وهذه الآية الشريفة ردّ على من زعم من أصحاب المدارس في علم النفس أن للجنس الأثر الكبير في سلوك الإنسان فردا أو جماعة ، وأن كبت تلك الشهوة توجب الأمراض النفسيّة والحرمان عن الملذّات ، ودعا إلى الإباحيّة في الجنس للتخلّص من هذه الأمراض ، وأعلن الحرب على التقاليد والأعراف المتوارثة والأحكام الشرعيّة التي تقيّد الجنس وتهذّبه ، وذهب إلى أن جميعها تورث العقد النفسيّة التي يصعب معالجتها وبرؤها ، إلى غير ذلك ممّا ينكره العقل والتجربة.
وقد أثبت علماء النفس بطلان كثير ممّا ذهب إليه ، فالجنس كسائر الغرائز الموجودة في الإنسان إن لم تستعمل على الوجه الصحيح توجب الحرمان والكبت وسائر الأمراض الخلقيّة والنفسيّة ، وهذا هو الذي دعا إليه الإسلام.