وقيل : المراد بالفرقان : العقل ، وقيل : الدلالة الفاصلة بين الحقّ والباطل ، وقيل : النصر ، وقيل : الحجّة القاطعة للرسول صلىاللهعليهوآله على من حاجّه في أمر عيسى عليهالسلام. وفي بعض الروايات : «الفرقان هو كلّ أمر محكم ، والكتاب هو جملة القرآن الذي يصدقه من كان قبله من الأنبياء» ، ويظهر وجه جميع ذلك ممّا ذكرناه آنفا.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ).
أي : ان الذين كفروا بآيات الله وجحدوا بها لهم عذاب شديد ، وذلك لأن الكفر بآيات الله حرمان عن منبع النور والهداية والسعادة ، مع أن النفس مستعدّة لجميع ذلك ولها قابلية إبراز كلّ كمال من الكمالات الممكنة إلى الظهور ، فيكون نفس هذا الحرمان عذابا لما يتبعه من الندامة والشقاوة ، فلا يختصّ العذاب بالآخرة ، وهو ظاهر إطلاق الآية الشريفة التي توعد الكافرين بآيات الله بالعذاب في الدنيا والآخرة ، وهذا من الحقائق القرآنية التي تؤكّدها جملة من الآيات الشريفة ، فتعدّ حرمان النفس عن الكمالات التي أعدّها الله تعالى لها من العذاب ، ويعدّ المعرض عنها شقيا قد سلب السعادة عن نفسه ، فكلّ ما يكون سببا لسعادة الإنسان إذا كفر به يكون عذابا وشقاء له ، فتكون السعادة والشقاوة في نظر القرآن بسعادة الروح وشقاوتها ، وأما سعادة الجسم والبدن فهي ان أوجبت سعادة الروح فهي السعادة العظمى والكمال الأتم ، وإلا كانت شقاء وعذابا ، قال تعالى : (مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٩٧] ، فالعذاب الإلهي إنما يكون بالنسبة إلى الروح والجسم ، ولكن المهم هو الأول. وهذا بخلاف ما يراه الإنسان الذي لم يعبأ بما وراء المادة ولم يتخلّق بأخلاق الله تعالى في السعادة والشقاء ، فإنه يعتبر ما يكون سببا للاستمتاع المادي ـ كالمال والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ـ سعادة ، وما يكون بخلاف ذلك شقاء وعذابا ، وهذا مخالف لما عليه الواقع الإنساني المؤلّف من البدن والروح ، والكتب الإلهية إنما نزلت لتهذيب الروح وإسعادها ورفع شقائها ، لا خصوص سعادة الجسم فقط ، وللبحث تتمة تأتي في الموضع المناسب.