والجملة ـ لها معنى الوصفيّة والحاليّة ـ حال من فاعل شهد ، الراجع إلى الثلاثة المذكورة في الآية الشريفة. أي : أن شهادتهم بالحقّ ، وهم يحافظون عليها قولا وفعلا.
والعدل فيه عزوجل ثابت ودال على وحدانيّته ، كما أن انحصار الالوهية والوحدانيّة فيه تبارك وتعالى يثبت عدله وقيامه بالقسط ، فهما فيه عزوجل متلازمان ، كما يشهد بذلك جملة من الآيات ، منها قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٢٢] ، وقوام السموات والأرض بالعدل أعظم آية لوحدانيّته ، وهذا دليل على ما قلناه من تعميم الشهادة إلى الذاتيّة والفعليّة والقوليّة.
ومن ذلك يظهر الوجه في تقديم التوحيد على القيام بالقسط ، لأن الأخير ملازم للوحدانيّة المطلقة ومحفوف بها حدوثا وبقاء ، فالتوحيد والشرك مختلفان مفهوما واعتقادا وأثرا في الدنيا والآخرة ، كما هو صريح الأدلّة النقليّة والعقليّة.
وممّا ذكرنا يعلم أن قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) ، راجع إلى جميع الثلاثة ، كما هو ثابت في العلوم الأدبية من أن الموصوف يتكرّر مع جميع قيود الصفة ، فيصير المعنى في المقام : شهد الله بأنه لا إله إلّا هو قائما بالقسط ، والملائكة تشهد كذلك قائما بالقسط ، وأولوا العلم أيضا يشهدون بأنه لا إله إلّا هو قائما بالقسط ، وقد أشرنا إلى أن التوحيد المطلق للكمال المطلق يستلزم ذلك ، وأن القيام بالشيء لا يصدق إلّا بعد الاستيلاء المطلق عليه ، بلا تخلل خلاف في البين.
قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
الآية في موضع التعليل لما سبق ذكره ، أي : من كان في كمال القدرة والعلم والحكمة البالغة ، يقتضى أن يكون واحدا في ذاته وفي معبوديّته وفي تشريع القوانين ، وأن العدالة تقتضي أن يكون قهّارا عزيزا عليما حكيما ، فهو تعالى حقيق بالوحدانيّة ، لأنه المتفرّد بالعزّة ، وأن ما سواه تحت سلطته وقهّاريته ، وهو المتفرّد في حكمته ، عالم بأسرار خلقه المطّلع على المصالح ، ولا ينتقض حكمه ولا