عبارة عن خصوص الاعتقاد والتوحيد في مقابل الشرك ، فالأمر أوضح.
ويستفاد من سياق الآية المباركة الحصر ، فتدلّ على أن كلّ دين من الله واحد لا اختلاف فيه ، وأنه حق وأن غيره باطل ، وأن فيه الاختلاف ـ كما تقدم ـ وهو يشمل جميع الشرائع والأديان أصلا وعكسا ، وقد دلّت على ذلك الأدلّة العقليّة والنقليّة ، قال تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً) [سورة الحج ، الآية : ٧٨].
والآية الشريفة دستور إلهي ، تدلّ على تصحيح الاعتقاد والعمل حسب ما يرتضيه الله تعالى ، كما تدلّ بالملازمة على نفي الشرك بجميع أنواعه ، وأن غير الإسلام والطاعة له عزوجل باطل غير مرضي له تعالى ولا أثر له ، وهو لا ينفع الناس في دنياهم وآخرتهم.
ثم إن هذه الآية الشريفة كالتوطئة لما سيأتي من الآيات اللاحقة ، التي يذكر فيها المعاندون والمشركون والكافرون ، فإن كلّ أمر يكون مخالفا لما شهد به الحقّ بالحقّ والملائكة وأولوا العلم ، يكون باطلا ، سواء كان في نظام التكوين أم التشريع ، ويكون مغالطة ولجاجا وزخرفا.
قوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ).
بغيا : منصوب إما على أنه مفعول لأجله ، أو على الحال من الذين ، والمراد من الذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى ، أي : وما كان اختلاف أهل الكتاب في دينهم الحقّ ـ الذي بيّنه الله تعالى لهم على لسان أنبيائه ورسله ـ إلى مذاهب وأهواء ـ مع أن دين الله واحد لا اختلاف فيه ـ إلّا بعد علمهم بحقيقة الدين والحقّ المبين من بعد ما رأوا الآيات الواضحة والدلائل الجليّة.
وهذا الاختلاف لم يكن عن عذر ، بل كان عن بغي وظلم بينهم ، فتمرّدوا على الحقّ وحرّفوا الكتاب وأوّلوه ، فكان أن بغى المنحرفون على المؤمنين الموحدين وتجاوز الرؤساء الحدود ونصروا مذهبا على مذهب ، وضلّلوا من