بل يمكن أن يستفاد من مثل هذه الآية الشريفة الجعل المركب بالنسبة إلى الحقائق ، فهو الذي جعل النار نارا والماء ماء ، كما عليه بعض محقّقي مشايخنا قدس سرّهم ، وفي الحديث : «ان الله مجسّم الجسم وخالقه» ، وفي الحديث الآخر : «وهو الذي أيّن الأين وكيّف الكيف».
وهذه الآية في موضع التعليل لما تقدّمها وذكر العام بعد الخاص ، أي : أن الله تعالى يؤتي الملك والعزّة لمن يشاء ويمنعهما عمّن يشاء ، لأن بيده الخير الذي هو أعمّ منهما.
إن قيل : انتزاع الملك والذلّة ليسا من الخير ، فكيف يشملهما قوله تعالى : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ)؟
يقال : بعد أن كانت الذلّة وانتزاع الملك مطابقين للحكمة الواقعيّة التامّة يكونان خيرا محضا ، وإن كانتا بحسب اعتقاد الناس من عدم الخير.
وإنما قال تعالى : (بِيَدِكَ) ، لبيان أن جميع ما يفعله تعالى من إيتاء الملك ونزعه ونحو ذلك ، كلّه خير محض بحسب الواقع ، فهو عبارة اخرى عن الرحمة الرحمانيّة والرحمة الرحيميّة التي تعمّ الجميع.
وأما ما فرق به بعض أعلام المفسّرين بين الخير التكويني والخير التشريعي ، فهو في نفسه حقّ ، لأنّ الخير التشريعي منوط بإرادة الناس للطاعة ، بخلاف الخير التكويني ، فإنه منوط بإرادة الله تعالى فقط.
لكن ، لا وجه له في المقام ، لأنّ الخير التشريعي يرجع إلى الخير التكويني ، كما قرّره بعض مشايخنا في الأصول ، وخلاصة كلامه أن إثارة دقائق العقول وما في الفطرة من أهم وجهات نظام التكوين ، ولا يمكن ذلك إلّا بالتشريع ، فكما أن التكوين بلا تشريع باطل في النظام الأحسن ، كذلك التشريع بلا تكوين باطل أيضا ولا وجه له.
هذا موجز الكلام وسيأتي التفصيل في الموضع المناسب إن شاء الله ، هذا كله في الخير.