قال تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٦].
وتدلّ الآية الشريفة على انحصار الخير فيه تعالى ، فيستفاد منها ومن أمثالها أمران :
الأوّل : أن ذاته تبارك وتعالى خير محض ، لقاعدة : «ان معطي الشيء لا يمكن أن يكون فاقدا له» ، فهو تعالى خير على الإطلاق ، ولكن لم يرد في الكتاب والسنّة إطلاق الخير بنحو الاسمية ، وإنما ورد في القرآن الكريم على نحو التوصيف ، قال تعالى : (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) [سورة طه ، الآية : ٧٣] ، وقوله تعالى : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [سورة يوسف ، الآية : ٣٩] ، ولعلّ عدم إطلاق لفظ الخير عليه تعالى لتنزيهه عمّا يتبادر في أذهان الناس من نسبته إلى غيره.
نعم اطلق عليه بنحو الإضافة في موارد متعدّدة ، مثل قوله تعالى : (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سورة الحج ، الآية : ٥٨] ، وقوله تعالى : (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ٢٩] ، وقوله تعالى : (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) [سورة يونس ، الآية : ١٠٩] ، ونحو ذلك وإطلاقه في جميع الآيات الشريفة من باب إضافة الصفة إلى الاسم الذي ورد التوقيف فيه ، وهو لا محذور فيه.
الأمر الثاني : أنها تدلّ على أصالة الماهيّة في الجعل ، كما عليها أغلب المتكلّمين وجمع كثير من الفلاسفة ، لأن الخير المطلق وملكوت الأشياء ليس إلا حقائقها ، فإذا لا حظنا الحقائق باعتبار إضافتها الإيجادية الإشراقية إليه تعالى تشمل الحقائق بوجوداتها وماهياتها ، وليس ذلك تعدّدا في الجعل حتّى يلزم عليه مناقشات ومحذورات ، لأنّه بعد فرض كون أحدهما تبعا محضا للآخر ، كالماهيّة إن قلنا بأصالة الوجود ، فالوجود إن قلنا بأصالة الماهيّة ، فأين التعدّد الخارجي حتى يلزم المحذور ، ولا ينافي ذلك ما اشتهر بين الفلاسفة من أن الوجود خير محض ، لاتفاق الكلّ على أن الخيريّة المحضة إنما تكون بعد جعل الحقائق.