يسري إلى جميع الفروع والجهات ، بل يسري حتى إلى الصور الذهنيّة ، وكذلك تكون بين من يتلبّس بهما ، فإن بينهم غاية الاختلاف والتباعد في جميع الأمور ، من المعارف وسائر شؤون الحياة ، فيكون الامتزاج مع الكافرين يوجب فساد العقيدة وإذهاب خواص الإيمان وآثاره ، وإبطال أصل الدين ، ولأجل ذلك عقّبه سبحانه وتعالى بقوله تعالى : (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ).
الثالث : يدلّ قوله تعالى : (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) على انقطاع العلاقة بين الله جلّ جلاله وبين من يتّخذ الكافرين أولياء ، والبعد عنه عزوجل وإيكال الأمر إلى أنفسهم وسلب التوفيق عنهم ، وهو ما نشاهده بالحسّ والوجدان ، وهو يدلّ على كفر من تولّى الكافرين.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) ، على مشروعيّة التقية والرخصة فيها في موارد محدودة ، وهي تتقدّر بقدر الضرورة ، ولذا ذكر سبحانه وتعالى : (تقاة) ، الدال على مقدار التقية ـ وخصوصياتها ويختلف حكم التقية حسب اختلاف المورد ـ إلى الأحكام الخمسة التكليفيّة ، فقد تكون التقية واجبة كما لو استلزمت جلب قلب الكافر وإدخاله في الإسلام ونشر أحكام الدين الحنيف ، ونحو ذلك ممّا ترجع فائدته إلى أصل الدين والمتديّنين به ، وكذا إذا استلزم ترك التقية الضرر والفساد على المسلمين ، ولكن في جميع ذلك لا بد من الاهتمام على حفظ العقيدة والتحذّر عن فسادها وتزلزلها.
وبالجملة : أن مورد التقية من الكفّار هو دفع الضرر عن النفس أو المال أو العرض ، أو جلب النفع النوعي ، بحيث لا يكون محذور شرعي في البين ، ولا فرق في النقع بين النوعي منه والشخصي ، إذا انطبق عليه عنوان الضرر ، وقد فصّل ذلك في الفقه.
الخامس : يستفاد من قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أن النهي من التولّي من أعظم المناهي ، وأن معصية التولّي قد بلغت غاية القبح وتناهت فيه ، بحيث حذّر الله سبحانه وتعالى في هذا المورد عن نفسه ، وهو ينذر عن عظيم