الكمالات الحقيقيّة الإنسانيّة ، وما عداه باطل زائل ، وهذا مفاد جملة من الآيات الشريفة وعدّة من الروايات ، ففي بعضها : «وليس الدين إلا الحبّ في الله والبغض في الله» ، وفي البعض الآخر : «وهل الدين إلا الحبّ والبغض» ، ولذلك ذكر الحبّ دون الولاية.
العاشر : يدلّ قوله تعالى : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) على أن الاتباع في الآية السابقة الموجب لمحبّة الله للتابع ، إنما يتحقّق في إطاعة الله وإطاعة الرسول ، وهما متقومتان بالإخلاص ، فيكون حبّ الله متمثّلا في الإخلاص له عزوجل ويرجع بالآخرة إلى أن دين الله إنما يكون في الإخلاص له عزوجل ، وهو جعل العبد نفسه وجميع شؤونه في مرضاة الله تعالى ، وهو المراد من قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٩] ، فإن الإسلام من التسليم ، وهو يتجلّى في الإخلاص ، وهو ينتهي إلى الحبّ.
الحادي عشر : إنما كرّر تبارك وتعالى لفظ (قل) في الآيات الشريفة ، إما لأجل أن خطاب الملك مع رعيته إنما يكون بواسطة أخصّ وزرائه المطّلع على الخصوصيات ، أو لأجل انطواء العقول في الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله انطواء الجزء في الكلّ ، فإنه سيد الأنبياء والعقل الكلّ ، وكلّ العقول ، فيكون الخطاب إليه خطابا إلى الكلّ ، فهو مظهر جميع التشريعات السماويّة ، بل جميع الخطابات التكوينيّة. ومقام خاتم النبوّة صلىاللهعليهوآله إنما هو مرتبة سرّ الوجود والإيجاد ومنتهى الكمالات ، فهو سابق السائرين إلى الله تعالى وقائدهم إليه عزوجل ، وقد ورد في بعض الأخبار أن الشمس جزء من سبعين جزء من نور العرش ، فإذا كانت الشمس الجسمانيّة تستضيء من العرش وتضيء لما سواها ، فالشمس المحمديّة الأحمديّة تستضيء من الأحديّة المطلقة ، وتضيء لما سواها.
ويمكن أن يكون التكرار في هذه السورة الشريفة لأجل أن المقام مقام الاحتجاج مع أهل الكتاب والمشركين ، وفي التكرار تثبيت لرسالته صلىاللهعليهوآله وكمال الخلّة بينهما.