تعالى أن يرزقه ولدا يكون له من الكرامة عند الله تعالى ما لمريم العذراء عنده ، بعد ما شاهد الآيات الباهرات منها ، فأوّل الشبه بينهما أن مريم وابنها آية من الله تعالى ، قال عزوجل : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩١] ، وأن تسمية عيسى من الله تعالى ، قال عزوجل : (إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٤٥] ، وأن يحيى آية منه عزوجل أيضا ، حيث كانت تسميته من عند الله تعالى في بدء ما بشّر به زكريا ، قال تعالى : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٧].
الثاني : أن يحيى قد أوتي الكتاب والحكم وهو صبي ، قال تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ١٢] ، وكذلك أوتي عيسى الحكم والنبوّة والكتاب في صباه ، قال تعالى حكاية عنه : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٣٠ ـ ٣١].
الثالث : أنهما اشتركا في الخصال الحميدة ، كالبر بالوالدين والسيادة والوجاهة ، وأنهما لم يكونا من الجبّارين ، قال سبحانه وتعالى في شأن يحيى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا* وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ١٣ ـ ١٤] ، وقال عزّ من قائل في شأن عيسى : (وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٣٢].
الرابع : أنهما اشتراكا في السّلام عليهما في المواطن الثلاثة المهمّة ، الولادة والموت والبعث ، قال تعالى في شأن يحيى : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [سورة مريم ، الآية : ١٥] ، وقال عزوجل في شأن عيسى : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٣٣].
ولكن يبقى الفرق بينهما أن عيسى عليهالسلام نبي من أولي العزم وصاحب شريعة ، وأن يحيى عليهالسلام كان أوّل المصدّقين به ، وذلك لأن عيسى عليهالسلام كان أسبق من يحيى في