وتثنية وجمعا ، ولعلّ ألطف ما ورد فيه هذا اللفظ جمعا ، قوله تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) [سورة الطور ، الآية : ٢٤] ، خدمة لأهل الجنّة وهي لذّة للمخدوم والخادم ، وقال تعالى : (يا بُشْرى هذا غُلامٌ) [سورة يوسف ، الآية : ١٩]. وإنما ذكر الغلام باعتبار أنه قد بشّر به سابقا ، قال تعالى : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً) ، وقال تعالى : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) [سورة مريم ، الآية : ٧].
وإنما خاطب زكريا ربّه من دون واسطة في البين مبالغة في التضرّع ، وإعلاما لنهاية التأثّر والتحزّن.
قوله تعالى : (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ).
جملة حالية من ياء المتكلّم ، وإسناد البلوغ إلى الكبر توسعا ، فكأن الكبر قد طلبه وهو مطلوب له. والجملة كناية عن عدم القدرة على الجماع وممارسة الشهوة لبلوغه الكبر وطعنه في السن ، وكانت له تسع وتسعون أو مائة وعشرون سنة ، ولامرأته ثمان وتسعون ، حين قال ذلك على ما قالوا ، وإن كان ذلك كلّه رجما بالغيب. وفيه نهاية الأدب كما أن فيه تحريك المدعو إلى استجابة دعاء الشيخ العاجز.
قوله تعالى : (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ).
العقر بمعنى عدم الحمل ، ويطلق على الرجل الأبتر الذي لا ولد له أيضا ، ولفظ (عاقر) هنا بمعنى ذات عقر ، وحينئذ لا فرق بين المذكّر والمؤنّث.
قوله تعالى : (قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ).
الجملة مقول قول الله تعالى ، سواء كان بواسطة الملك الذي ناداه سابقا بالبشارة ، أم كان بغير وساطة ، أي وحيا. وإن كان الظاهر هو الأوّل ، ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ظاهر السياق ـ قوله تعالى في موضع آخر من هذه القصة : (قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) [سورة مريم ، الآية : ٩].