لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته. [إنجيل لوقا : ١ ـ ٢٠].
والحقّ أن يقال : إن الآية الشريفة لا تدلّ على شيء ممّا ذكروه ، أما ما ذكره بعض المفسّرين فهو مردود من جهات كثيرة لا تخفى على من تأمّل فيه ، ويكفي في وهنه أنه من الإسرائيليات ، ولا وجه لكون ذلك عقوبة له بعد ما ذكرنا من أنه كان على يقين من أمره ، وأنه إنما طلب الآية لدفع شبه المنافقين وإنكار المنكرين ، ولإظهار الخضوع والخشوع والتبتل إليه عزوجل ، وبيان النعمة ، فلا معنى لأن يكون عدم التكلّم عقوبة له.
الا أن يقال : إن عدم تكلّمه مع الناس لأجل ما حصل منه من ترك الأولى بقوله : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) ، الظاهر في التعجّب من البشارة الإلهيّة ، فإن مثل ذلك من أنبياء الله تعالى مع علمهم بكمال قدرته جلّت عظمته حتى على الممتنعات العادية ، ممّا لا ينبغي ، فأخذ بقوله هذا بعدم تكلّمه مع الناس ثلاثة أيام ، فيكون هذا نحو توبة لما صدر منه ، بقرينة قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) وبهذا وإن أمكن الجمع بين جميع أقوال المفسّرين في المقام ، ولكن مع ذلك أنه مجرّد احتمال.
وأما قول المشهور ، فظاهر الآية الشريفة ينفي ذلك أيضا ، لأن نسبة الفعل إلى الفاعل في قوله تعالى : (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) ، ونفيه عنه ظاهر في كونه اختياريّا ، فهي تدلّ على أن عدم التكلّم كان اختياريّا له ، فإنه بعد أن طلب من الله تعالى الآية التي تكون علامة لصدقه أمام الناس ، ليتمكن أن يدفع بها شبه الملحدين ، وإظهار كرامته عند الله تعالى ، ومنزلة المولود الجديد لديه عزوجل ، لا معنى لكونها آية اضطراريّة له ، ونظير هذه الآية في ولادة يحيى عليهالسلام ما وقع عند ولادة عيسى ، قال تعالى في مريم العذراء : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٢٦] ، ولم يقل أحد إن صوم مريم عليهاالسلام كان اضطراريّا لها.
وقد ذكرنا أن هذه الآية الشريفة إنما جاءت موافقة ومناسبة لموردها ممّا قد