للعبد المصطفى ـ كما تقدّم ـ ولكن نفس الاصطفاء والنبوّة والولاية ونحوها لا بد أن تكون بإذن من الله تعالى وتعيين منه عزوجل ، ولا يمكن أن تكون تحت اختيار البشر لعدم إحاطة العقول بذلك ، فيلزم الخلاف أو الفساد.
الثاني : لم يذكر سبحانه وتعالى خاتم الأنبياء في آية الاصطفاء صريحا ، ولكن قد ذكره في قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ، ويستفاد من ذلك أن مقامه صلىاللهعليهوآله فوق مقام الاصطفاء ، حيث جعل متابعته صلىاللهعليهوآله سببا لمحبّته تعالى ، التي هي من مقتضيات الاصطفاء كما عرفت.
الثالث : يستفاد من آية الاصطفاء أن اصطفاء الله تعالى لبعض عباده يدلّ على الامتياز ، وأن المصطفين ممتازون عن سائر الخلق ، لتحقّق الإنسانيّة الكاملة فيهم ، وأن لهم نفوسا قدسية هي المرآة الأتم لأخلاق الله تعالى والعبوديّة المحضة ، وهي مظهر أسمائه وصفاته ومحل تجلّيه عزوجل ، فهم آيات الله التكوينيّة والتشريعيّة.
الرابع : لعلّ الغرض الأهم من آية الاصطفاء وآية المحبّة هو سوق الناس إلى المكارم وإيقاظ من هو غافل عن الحقيقة والكمال ، فإن محبّة الله تعالى واصطفاء لمحبّيه لا يمكن أن تحصلا إلا بالإيمان بالله تعالى إيمانا حقيقيّا ، والتوجّه إليه تعالى والعمل بما أنزله عزوجل بجد وإخلاص ، فيشمله حينئذ ما شمل أولياء الله تعالى المصطفين من التوفيقات ونزول البركات ، ويستعد لتلقّي فيوضات الله تعالى ، ويصلح أن يكون وليّا يصلح به نظام الدنيا والآخرة ، فالآية الشريفة ترشد الناس إلى طريق هؤلاء الذين اصطفاهم الله تعالى على العالمين ، وأن يكون سيرهم وسلوكهم كسيرهم وسلوكهم ، فتكون الآية من الكناية التي هي أبلغ من التصريح.
الخامس : يستفاد من قوله تعالى : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) ، أن هذه الذرّية المصطفاة من الخلق هي محفوظة من لدن آدم عليهالسلام إلى نوح إلى آل إبراهيم إلى آل عمران ، وأن ذكر الأفراد قبل ذلك إنما هو لبيان اتصال السلسلة والاتحاد بين تلك الأفراد ، وأنها محفوظة إلى آخر الدهر وفناء الدنيا ، لا يمكن أن تنقطع هذه السلسلة