وإن تقادم عليها الدهر ومرّت عليها السنون والأعوام ، وأن لهذه الذرّية أفرادا في كلّ زمان ، بهم تحفظ الشريعة ويستقر النظام.
ومن ذلك يعلم أن محمدا وآله وإن لم يذكروا صريحا في هذه الآية الشريفة ، ولكنهم داخلون فيها ، بمقتضى التعليل في آخرها ، ويدلّ على ذلك قول الإمام الباقر عليهالسلام : «نحن منهم ، ونحن بقية تلك العترة» ، وأن صاحب الأمر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يحتجّ عند ظهوره بالآية المباركة ، وأنه أولى الناس بنوح وإبراهيم ، وقد ورد عن أهل البيت أنهم كانوا يقرءون الآية الشريفة (وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين) ، كما في تفسير القمّي وأمالي الشيخ الطوسي وتفسير العياشي ، وفي تفسير الثعلبي مسندا عن الأعمش عن أبي وائل ، قال : قرأت في مصحف ابن مسعود : (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل محمد على العالمين) ، فأبدل اسما مكان اسم» ، وروى مثله هشام بن سالم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) فقال عليهالسلام : هو آل إبراهيم وآل محمد على العالمين» ، ويمكن أن يكون الوجه في ذلك أنه من باب التنزيل ، وأن أهل البيت أهم المقصودين من إبراهيم وآله بمقتضى الوحي على الرسول صلىاللهعليهوآله ، فيكون ما ورد في مصحف ابن مسعود وغيره بعنوان التأويل ، ومثل ذلك كثير في القرآن الكريم كما ذكرنا مرارا ، فلا يستفاد من الروايات المتقدّمة التحريف بعد صحّة حملها على بيان المصاديق والتنزيل ، وما ورد من أنه «أبدل اسما مكان اسم» ، يكون بحسب التنزيل لا أصل الوحي.
ژ السادس : يدلّ قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) ، على كمال انقطاع امرأة عمران إليه تعالى ، فإنها حرّرت وليدها عن طاعتها إلى طاعته عزوجل ، وأعتقته لوجهه الكريم ، والآية تدلّ على أنها طلبت الولد في ضمن نذرها ، لعدم لياقة الأنثى لما تريده.
السابع : إنما ذكرت امرأة عمران (ما في بطني) ، حفظا لأدب الدعاء مع الكبير العظيم ، وتحفظا لعدم ذكر ما يقرب من العورة مع إمكان إظهار المعنى بغيره