بلفظ هو أشمل منه ، قال تعالى : (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) [سورة النجم ، الآية : ٣٢].
الثامن : يدلّ قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) على كمال تحسّرها وتحزّنها عند وضعها الحمل أنثى ، وأن هذا الكلام صدر عن قلب كسير وفؤاد حزين ، ومع ذلك فقد دعت للمولودة بقولها (والله أعلم بما وضعت) ، وعظّمت وفخّمت شأنها ، حيث أدخلتها في علم الله تعالى ، وطلبت رعايتها منه عزوجل بقولها : (إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) ، واعترفت بالعجز أمام قدرته سبحانه وتعالى ، وأن إرادته فوق إرادة البشر ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
التاسع : يستفاد من قوله تعالى : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) ، أن التسمية كانت من حقوقها ، وليس لأحد غيرها هذا الحقّ ، فقد مات أبوها وهي حامل بها ، مع أنه يمكن أن يستفاد من تبادرها بالتسمية أنها كانت تعلم بها سابقا ، وأن لهذه المولودة شأنا كبيرا ، وفيها الصلاحية لخدمة البيت ، مضافا إلى أن التسمية من المخلوق الممكن ينفي شبهة الغلو في مريم العذراء.
العاشر : يدلّ قوله تعالى : (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) ، على أنها طلبت بقاءها صحيحة لا تعترضها صوارف الدهر وعاديات الزمان ، حتى تكبر وتتحقّق امنيتها ، وهي الولد الذكر.
وإنما قدّمت الاستعاذة وأدّت بالفعل المضارع ، للدلالة على استمرار الاستعاذة ودوامها والاهتمام بشأنها ، وبذلك لم يبق للشيطان فيها وفي ذرّيتها نصيب.
والآية المباركة لا تدلّ بشيء من الدلالات على أن كلّ مولود يمسّه الشيطان إلا من عصمه الله تعالى ، وقد تكلّف جمهور المفسّرين في تأويل هذه الآية الشريفة بما لا محصل له ، مع أن ما ذكروه في المقام لا يصلح للاعتماد عليه ، فالآية ليست إلا في مقام الإرشاد إلى أن الإنسان لا بد له من الاستعاذة من عدو قد آلى على نفسه