قوله تعالى : (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ).
عيسى معرّب يسوع بالعبرانيّة ، وفي كتب العهدين : «ايشوع» ، ومعناه السيد. وذكر بعض المفسّرين أن تفسيره بيعيش هو الأنسب من جهة تسمية ابن زكريا بيحيى ، لما بين هذين النبيين من المشابهة التامّة ، وهو وجه حسن ، لكن إثبات المشابهة التامّة حتى من هذه الجهة مشكل ، لأنه إذا ورد في القرآن الكريم وصف لنبيّ من الأنبياء ، فإن استفيد من القرائن الداخليّة أو الخارجيّة اختصاص ذلك النبيّ بذلك الوصف فهو ، وإلا فيجري في جميع الأنبياء ، فما اختصّ به عيسى بن مريم هو لقب المسيح وبعض الخصوصيات ، لا تجري في غيره ، وإن كان يحيى الذي بينه وبين عيسى المشابهة الكبيرة ، والأنبياء يتشابهون في أغلب الصفات والعلامات ، ولكن لا يلزم من ذلك التشابه التام.
وإنما نسب سبحانه وتعالى عيسى إلى امه مريم ، للتنبيه على أنه مخلوق من غير أب ، وردّا على من يسميه ابن الله ، وللإعلام بأنه وامه شريكان في كونهما آية الله تعالى ، قال عزوجل : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩١].
قوله تعالى : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ).
الوجيه ذو الجاه والكرامة والشرف ، والوجاهة : هي المقبوليّة ، أما وجاهته في الدنيا فلما له من المكانة الرفيعة والشرف العظيم والرفعة المعنويّة الروحانيّة ، التي طالما جعلت الملوك نير المذلة في أعناقهم أمام عظمته وسؤدده ، وأما وجاهته في الآخرة ، فلها شأن لا يعلمه إلا الله تعالى ، وقد أطلق سبحانه وتعالى له هذا الوصف في الدنيا والآخرة ولم يقيّده بجهة خاصة ، ليشمل الجميع ويذهب ذهن السامع كلّ مذهب أمكن.
والظاهر أن الوجاهة في الدنيا والآخرة لا تختصّ بعيسى عليهالسلام ، فإن جميع الأنبياء لهم هذه الوجاهة.
نعم ، تختلف باختلاف الجهات الخارجيّة ، والآية الكريمة ليست في مقام بيان ذلك.