الإرادة الخلّاقة إلى إيجاده بدون أسباب ومعدّات ظاهريّة ، وإلا فإن جميع أفراد الإنسان يوجدون بكلمة الله تعالى وإرادته التكوينيّة ، ولكنهم يوجدون بالأسباب العاديّة ، بخلاف عيسى فإنه وجد من دون تلك الأسباب العادية ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) [سورة النساء ، الآية : ١٧١] ، وقوله تعالى في آخر هذه الآيات : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). وهذا الوجه هو الصحيح وتؤيّده ظواهر الآيات الشريفة وبعض الأحاديث.
وقيل : إنّ المراد منها المسيح عليهالسلام باعتبار أن الأنبياء السابقين بشّروا به بعنوان أنه هو الذي ينجي بني إسرائيل ، فيكون نظير قوله تعالى في ظهور موسى عليهالسلام : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) [سورة الأعراف ، الآية : ١٣٧] ، وأيّد ذلك بما ورد في كتب العهدين في شأن المسيح عيسى بن مريم.
ويردّ عليه : أن ظاهر القرآن الكريم أن المسيح اسم للكلمة التي أوجدها تعالى ، لا أن يكون اسما للكلمة التي تقدّمت البشارة بها ، مضافا إلى أن ظاهر قوله تعالى في المقام (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) أن عيسى ابن مريم هو بنفسه وقع مورد البشارة ، لا أن يكون مبشّرا به.
وقيل : إنّ المراد بالكلمة نفس البشارة ، والأخبار بحمل مريم بعيسى عليهالسلام وولادته منها ، أي : ويبشّرك ببشارة هي ولادة عيسى من غير أب.
وفيه : أنه خلاف ظاهر الآية الشريفة.
وقيل : أن المراد بها عيسى باعتبار كونه موضحا لمراد الله تعالى في التوراة ، ومبيّنا لتحريفات اليهود وما اختلفوا فيه ، كما حكى عنه عزوجل : (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) [سورة الزخرف ، الآية : ٦٣].
وفيه : أنه لا يلائم ظاهر الآية الشريفة.