قوله تعالى : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ).
الجملة بدل من الآية ، أو خبر عن مبتدأ محذوف تقديره : هو أني أخلق لكم.
والخلق ، هو الإيجاد ، سواء كان بلا سبق مادة أصلا ، كخلق الأرواح ، أم مع سبق المادة ، كخلق عيسى عليهالسلام الطير ، ويختصّ الأوّل بالله تعالى ، وليس في غيره عزوجل خلق بلا مادة إلا في الصور الذهنيّة غير المسبوقة بشبه أو نظير ، ونظام هذا العالم يدور على تبدّل الصور من المواد المختلفة التي لا يمكن استقصاء جهاتها وخصوصياتها والإحاطة بها إلا لله تعالى.
وفي المقام المراد من الخلق هو التصوير وجمع الأجزاء ، أي : أصور لكم من الطين ما يكون مثل الطير وهيئته.
والهيئة : الشكل والصورة ، قيل : هي مصدر بمعنى المهيّأ ، كالخلق بمعنى المخلوق.
وقيل : إنها اسم الحال ، والهيئة والوصف عرضان.
إلا أن الأوّل يقال باعتبار حصولها ، والعرض يقال باعتبار عروضه ، والوصف باعتبار لحاظ الذهن ، بخلاف الهيئة فإنها تستعمل باعتبار الخارج.
ولم يبيّن سبحانه عزوجل اسم هذا المخلوق ، وقد ذكر المفسّرون أسماء له ، ونحن في غنى عن تلك ، لصراحة الآية الشريفة في صدور هذه المعجزة عن عيسى عليهالسلام ووقوعها في الخارج ودلالتها على صدق دعواه ، وأنه حاجّهم بذلك ، فلا فرق بين تسميته بأي اسم.
قوله تعالى : (فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ).
الضمير يرجع إلى الطين المهيّأ الذي يكون شبيه الطير.
والآية تبيّن سرّ الإعجاز ، لأن تصوير الطين طيرا مقدور لكلّ أحد ، وليس في ذلك آية ، ولكن جعله طيرا حقيقيّا ليس مقدورا لأحد إلا لله تعالى أو بإذن منه ، وقد صدرت هذه الآية من عيسى عليهالسلام لتثبيت رسالته ، لكنّها مستندة إلى الله تعالى فلا استقلال له في ذلك ، كما هو شأن كلّ معجزة.