وفي صدور هذه الآية من عيسى عليهالسلام مناسبة لأصل خلقه عليهالسلام ، فإنه خلق من نفخ جبرائيل ، والطير خلق من نفخه ، وهو بمنزلة الروح ، وكلّ منهما كان بإذن الله تعالى.
قوله تعالى : (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ).
الأكمه من الكمه وهو العمى مطلقا ، سواء ولد كذلك أم عرض عليه بعد ذلك ، وقيل : إن الأكمه هو الذي يولد مطموس العين.
والأبرص هو الذي به داء البرص ، وهو مرض جلدي معروف تظهر فيه لمع بياض ، ولذا يقال للقمر أبرص لبياضه ، ومنه : «بت لا يؤنسني إلا الأبرص» ، أي القمر.
وإنما خصّهما تعالى بالذكر لأنهما داءان معضلان ، أعيى الأطباء علاجهما ولم يتوصّلوا لحدّ الآن في إبرائهما وزوالهما مع تقدّم الطب وحذاقة الأطباء وكثرة جهودهم الكبيرة المتواصلة على علاجهما ، أو لأن هذين المرضين معروفان يشاهدهما كلّ أحد ، فإذا برئ المريض بدعاء المسيح وبركته ، لا يسع لأحد إنكاره ، فيكون أتمّ في الاحتجاج.
وقد نسب الإبراء إلى عيسى عليهالسلام ، لأنه المباشر في ذلك بدعائه وبركته. والسبب في ظهور المعجزة على يديه ، وإن كان الجميع يستند إلى الله تعالى ، كما يدلّ قوله جلّ شأنه (بِإِذْنِ اللهِ) ، المذكور في الآية الشريفة ، وإنما لم يذكره سبحانه بعد هذه المعجزة لأن الاعتقاد بهما سهل المؤنة يحصل بمجرّد إخباره بأنه معجزة وأنه آية من الله تعالى ، لا سيما إذا كان الخطاب مع قوم يدّعون الإيمان بالله تعالى ، مع أن ما ذكره في ما بعد : (وَأُحْيِ الْمَوْتى) ، صالح لأن يرجع إلى الثلاثة كلّها.
قوله تعالى : (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ).
إحياء الموتى من المعجزات الباهرات وخارق عظيم ، وقد أكّد سبحانه في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم أن الله تعالى هو الذي يقدر على إحياء الموتى ، وأن غيره عاجز عنه ، قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) [سورة يس ، الآية : ١٢] ،