قوله تعالى : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ).
أي : استجابوا إلى دعوة المسيح ، وهم الّذين اختارهم عيسى وجعلهم من حواريه ، وقالوا : نحن متبعوك وناصروك في الدعوة إلى دين الله والجهاد في سبيله ، ويفسّر معنى النصرة في الله ما بعد هذه الآية.
وفي قوله تعالى : (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) ، الطباق الشديد ، أي : نحن ناصروك لأنه نصرة الله تعالى.
قوله تعالى : (آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
تبيّن هذه الجملة معنى نصرة الله ، إذ الإيمان الحقيقي نصرة الله تعالى ، ونصرته جلّ جلاله ترجع إلى كمال النفس الإنسانيّة ، وتهذيبها بالأخلاق الفاضلة والجهاد مع أعداء الله تعالى.
وقوله جلّ شأنه : (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ، تسليم لهم لنبيّهم تسليما حقيقيّا. وهيئة التسليم تدلّ على الخضوع لله تعالى وإطاعته في جميع تشريعاته ، والإيمان من إحدى طرق التسليم ، ولها مراتب متفاوتة.
وسياق الآية الشريفة يدلّ على كمال إيمانهم ، وتمكّنه في قلوبهم ، حتى ظهر التسليم والخضوع على جوارحهم عن جوانحهم وطلبوا من عيسى الشهادة بذلك.
وفي الآية المباركة الدلالة على أن الإيمان بالله تعالى لو لم يكن مقرونا بشهادة المتبوع لا أثر له أبدا. وتقدّم الكلام في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٣].
ويستفاد من الآية الشريفة أن إيمان الحواريين كان راسخا في قلوبهم ، وإنما طلب عيسى عليهالسلام منهم النصرة لله تعالى إتماما للحجّة على غيرهم ممّن أحسّ منهم الكفر ، وإعلانا لشأنهم وإظهارا لدرجاتهم الكاملة في الإيمان ، فيكون قولهم (آمنا بالله) تأكيدا لما آمنوا به أولا ، وتثبيتا لشهادة عيسى على ذلك ، ويدلّ على ما ذكرنا قوله تعالى في موضع آخر : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي