والجملة قرينة اخرى لبيان معنى التوفّي في الجملة السابقة. أي : أخذك من بين اليهود وأحفظك من مكرهم بالرفع إليّ.
وإنما قيد الرفع بقوله : (الي) مع أنه تعالى لا يحويه مكان ولا يخلو عنه مكان ، تفخيما لغاية الرفع من الأرض التي طالما أفسدها الكافرون والفساق ، فرفعه تعالى إلى موضع خاص محض لتسبيح الله تعالى وتقديسه ، ولا توجب هذه الكلمة (إليّ) صرف الرفع إلى الرفع المعنوي ، باعتبار أنه لا يتصوّر القرب والبعد المكاني إليه عزوجل ، فيكون نظير قوله تعالى : في شأن إدريس : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٥٧] ، لأن ظاهر الخطاب وتكريم الرفع إلى عيسى عليهالسلام بكاف الخطاب ظاهر في رفع الموجود في الخارج وهو الجسم مع الروح ، لا أحدهما فقط.
إن قلت : إنّ الشأن في الإنسان هو الروح فقط والجسم تابع لها ، فيصحّ توجيه الخطاب إلى الروح فقط.
قلت : نعم هو صحيح في الجملة ، ولكن سياق الكلام يأبى عن ذلك ، لأن رفع الروح إلى السماء إنما هو شأن كلّ نبي ، بل ولي وأهل التقوى ، فلا تبقى خصوصية في تخصيص عيسى بذلك ، ولا بد أن يكون في البين جهة معينة ، وهي رفع روحه مع جسمانيّته الظاهرة ، وبذلك امتاز عيسى عليهالسلام عن إدريس الذي كان الرفع فيه معنويّا روحانيّا ، بقرينة قوله تعالى : (مَكاناً عَلِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٥٧] ، أي مكانة ومنزلة ممتازة عن غيره ، فيكون الخطاب في المقام بالنسبة إلى عيسى كقوله تعالى بالنسبة إلى موسى عليهالسلام : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [سورة طه ، الآية : ٤١] ، حيث إنّ ظاهر حرف الخطاب إنما يكون مع الإنسان الخارجي روحا وجسما ، مع أنه لو جعلنا الإنسان البرزخي كالإنسان في الدنيا مركبا من الجسم والروح كما أثبتناه في محلّه من أن الموجودات البرزخيّة والاخرويّة عين ما في العالم ، فالأمر أوضح.
إن قلت : بناء على ذلك فلا فرق بين عيسى عليهالسلام وغيره في أن للجميع وجودا برزخيّا أيضا.