و (ثم) في قوله تعالى : (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) للتراخي في الإخبار ، لا في المخبر به.
وجملة : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، مبيّنة لوجه الشبه.
بحث دلالي :
الآيات الشريفة تدلّ على امور :
الأوّل : يدلّ قوله تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) على ظهور الكفر اليهود ظهورا بيّنا ، بحيث تعلّق به الإحساس ، فلم يبق أي احتمال لرشدهم واهتدائهم ، ولذا عقّبه سبحانه وتعالى بما يدلّ على الامتحان الذي هو الوسيلة الوحيدة لتمييز المؤمن عن الكافر.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) على حقيقة من الحقائق الواقعيّة ، وهي أن كلّ مرشد اجتماعي لا بد له من مركز يعتمد عليه في ما يلاقيه في سبيل نشر دعوته ، والحافز الذي يحفزه على العمل عند ما يرى ما يثبطه فيه ، وله الأثر الكبير في تنفيذ العمل وإنجازه ، وهذا ممّا نشاهده في القوى الطبيعيّة أيضا ، فإنها تتمركز في نقطة ثم تنتشر منها.
الثالث : يدلّ قوله تعالى : (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) على جلالة قدر الحواريين ، فإنهم آمنوا بجميع ما انزل على عيسى عليهالسلام بعد ما كفر قومه ، وأسلموا أمرهم إلى الله تعالى واتبعوا ما جاء به رسولهم ، واتقوا الله وعبدوا الله ربّهم وسلكوا الصراط المستقيم الذي يوصلهم إلى السعادة والكمال. وهذا هو الذي طلبه عيسى عليهالسلام منهم عند ما قال : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ* إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) ، إلا أن جميع ذلك لا يدلّ على كونهم أوصياء أو أنبياء ممّا ورد في هذه الآيات الشريفة الدالّة على مدحهم والمبيّنة لعظيم منزلتهم من بين سائر الناس الّذين كفروا بعيسى.