الرابع : أن قوله تعالى : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ، يدلّ على أن للشاهدين منزلة كبرى ودرجة عظمى من بين الناس ، سواء في الدنيا أم في الآخرة ، حيث إن كلّ مؤمن إنما يطلب أن يكون مع الشاهدين ، قال تعالى : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [سورة المائدة ، الآية : ٨٣] ، فالشاهد هو الحجّة على الخلق ، سواء كانت شهادته على التبليغ أم كانت على أعمال الخلق أو سائر الامة.
والشاهد هو الذي بلغ من التقوى درجة عليا ، ومن الإيمان منزلة كبرى حتّى اختاره الله تعالى لدرجة الشهادة ، وهو الكامل الذي له الشهادة على الناقص ، كما نشاهده في الطبيعيّات أيضا ، وقد تقدّم في قوله تعالى : (يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [سورة البقرة ، الآية : ١٤٣] ، بعض الكلام.
الخامس : يدلّ قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ). أن كلّ مكر في دين الله يترتب عليه الجزاء لا محالة ، سواء في الدنيا أم في الآخرة ، ومكره تعالى أشدّ وأقوى من غيره ، ومع ذلك فهو يفعل وفق الحكمة المتعالية ، وبه يصل المحسن إلى إحسانه والمسيء إلى نكال أعماله ، ولذا كان في مكره كمال العناية بخلقه واللطف بعباده ، ويظهر ذلك بوضوح في مكره عزوجل باليهود الّذين أرادوا قتل المسيح وصلبه ، فرفعه الله تعالى من بين أيديهم وحفظه وحفظ المؤمنين ودينه من الضياع ، لئلا تذهب جميع أتعابه سدى.
السادس : يدلّ قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) ، على أن لعيسى بن مريم عليهماالسلام شأنا من بين الأنبياء ، فقد أخذه من عالم الأرض الذي كثر فيه الفساد واستولى على أهله العصيان والكفران ورفعه إلى السماء ، التي هي محلّ القدس والقديسين ، ولعلّ السرّ في ذلك أن عيسى عليهالسلام خلق من مادة أرضيّة متكوّنة من مريم العذراء ومادة ملكوتيّة هي نفخة جبرائيل ، وتجاذبت المادتان فالاولى تجذب عيسى إلى عالمها ، والثانية كذلك ، وغلبت الثانية ورفعت عيسى عليهالسلام إلى السماء إلا أن الاولى أوقفت هذا الرفع العلوي في السماء الرابعة ، ولو لم تكن هذه لرفع