عيسى عليهالسلام إلى العرش الأعلى.
ويمكن أن يكون تحديد الرفع إلى السماء الرابعة أيضا ما كان معه من حطام الدنيا ، وهو مدرعة صوف ، وكان قلبه متوجها إلى امه الحنينة عليه الرؤوفة به ، ولو لا هذان الأمران لما كان لرفعه حد معين ، فإن توجّه القلب ولو في الجملة إلى غير الله تعالى يوجب التحديد ، وكذلك المادة التي هي من الأرض توجب منع السباحة في ذلك اليم ولو كانت من غزل ونسيج مريم عليهاالسلام.
ومن ذلك يعرف انقطاع قلب خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله عن جميع ما سوى الله بالكلّية حين رفع إلى العرش الأعلى وخاطب الله تعالى مواجهة ، كما حكى عنه الجليل في كتابه.
إن قلت : إنّ آدم عليهالسلام خلق أيضا من مادة أرضيّة ونفخة روحانيّة كما حكى عنه عزوجل في القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) [سورة الحجر ، الآية : ٢٩] فلا بد أن يكون هذا التجاذب فيه أيضا.
قلت : إنّ آدم عليهالسلام خلق من الأرض وللأرض ولم تكن فيه حكمة رفعه إلى السماء ، بخلاف عيسى عليهالسلام فإنه خلق من مادة أرضيّة ونفخة ملكوتيّة وتحقّقت فيه الحكمة لرفعه مدة معينة.
السابع : يدلّ قوله تعالى : (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، على أن الرفع لم يكن رفعا معنويّا فقط ، بل كان جسمانيّا وروحانيّا معنويا ، فقد طهّره الله تعالى من مجالسة الّذين كفروا به ورفع ذكره ونزّهه عن الفسقة والعصاة.
ولو كان التطهير معنويا لما اختص عيسى عليهالسلام ، بل أن جميع الأنبياء مطهّرون من الأرجاس والأنجاس والكفر والعصيان.
الثامن : يدلّ قوله تعالى : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) على تفوق من اتبع عيسى عليهالسلام على الّذين كفروا به في جميع شؤون السلطة والعدد ، والحجّة والبرهان والشرف.