بالبدن الأولي والهيكل الأصلي للإنسان ، والمفروض انعدامه بالكلية؟ أو بالصورة العارضة عليه ، فيلزم أولا أن لا يعود البدن أو الجسم الموجود في دار الغرور في عالم الحشر والنشر ، وهو خلاف ما تقدّم من الأدلّة الدالّة على إثبات المعاد الجسماني.
وثانيا : يلزم تنعيم من لم يصدر منه فعل الطاعة ، وتعذيب من لم يصدر منه منشأ العقاب ، وهو باطل بالضرورة ، وهذا هو أصل الشبهة.
ولكنها باطلة ، لما تقدّم من أن الصور التي تعرض على الشيء وتتغيّر لا تنافي بقاء المواد الأولية لذلك الشيء ، فهي باقية ومحفوظة وإن تبدّلت الصور العارضة عليها وحصلت التطورات ، لكن المادة الأوّلية باقية ، نظير المضغة التي تكون في مصير الاستكمال الإنساني ، فهي موجودة في الإنسان وإن بلغ من العمر ما بلغ ، ولكن تتبدّل عليها الحالات والصور الكثيرة ، والمعاد الجسماني أيضا كذلك ، فيكون التعذيب واردا على من صدر منه فعل المعصية ، والتنعيم على من صدر منه فعل الطاعة ، وهو باق وإن عرضت عليه صور كثيرة.
مع أن العلم الحديث في التجزئة والتحليل تمكّن من تجزئة المواد في الجسم ، وامتياز المواد الحيوانية عن النباتية ، وهما عن غيرهما ، فكيف بقدرته تعالى؟! ولا فرق في ذلك بين أن يكون الآكل هو الحيوان أو يكون إنسان آخر ، كما لو أكل إنسان إنسانا آخر ، فالجواب في الجميع واحد.
وأصل الشبهة ناشئة من تحديد قدرة الخالق وقياسها على قدرة المخلوق ، مع أن قدرة المخلوق أمكنها السيطرة على حفظ المواد الأولية في الجسم وامتيازها عن غيرها ، بل ونموها كما عرفت ، وهذه الشبهة مقرّرة في القرآن الكريم بنحو الإجمال ، قال تعالى : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [سورة يس ، الآية : ٧٨] ، وقال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [سورة القيامة ، الآية : ٣ ، ٤].