الثانية : أن المعاد إنما هو لتعذيب الأشقياء وتنعيم السعداء ، وهذه النتيجة يمكن أن تحصل في هذه الدنيا وفي هذا العالم ، فلا يحتاج إلى التعذيب في عالم الآخرة ، فيعذب الله تعالى الأشقياء في هذه الدنيا حتّى يرد الجميع إلى عالم الآخرة بلا منشأ للعقاب ، فيردون الجنّة بغير حساب ، فيكون التعذيب في هذا العالم بمنزلة التوبة الممحاة للذنوب ، وهذه الشبهة كثيرة الدوران في الفلسفة الحديثة.
ولكنها باطلة ... أولا : لأن الله تبارك وتعالى جعل للذنوب في هذه الدنيا ما يوجب محوها وإزالتها ، كالحدود والتعزيرات والدّيات والكفّارات والتوبة والاستغفار والتكفير ، قال تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) [سورة النساء ، الآية : ٣١] ، فأي إنسان عمل بذلك ، فلا ذنب له فيتحقّق التعذيب في هذا العالم بالحدود والتعزير والديات وغيرها ، فلا موضوع لهذه الشبهة ، فإن الله تعالى أجلّ من أن يعذب العاصي مرتين.
وثانيا : أن كثيرا من المعاصي في هذه الدنيا ناشئ من سوء السريرة وفساد الطينة اقتضاء ، وهذا العالم بزمانه وزمانياته قاصر عن تعذيب مثل هذه السريرة ، لأن هذا العالم متناه ، والسريرة فيها اقتضاء عدم التناهي ، فلا بد وأن يؤجل إلى عالم الآخرة.
وثالثا : أن هذا العالم ظرف الاستكمال في جميع الجهات ، والتعذيب مناف له ، نعم بعض آثار الذنوب تظهر في هذه الدنيا ، وأنها من الآثار الوضعية ، ولا ربط لها بالتعذيب والمعاد.
الثالثة : المعاد الجسماني مستلزم للتناسخ الباطل ـ كما سيأتي ـ فيكون المعاد الجسماني باطلا كذلك ، خصوصا بعد اشتمال الأدلّة السمعية على حشر بعض أفراد الإنسان بصورة بعض الحيوانات.
والجواب عنها : أن المعاد الجسماني ليس من التناسخ في شيء ، وبينهما تباين كلّي ، لأن التناسخ الباطل عبارة عن انتقال الروح من بدن في هذا العالم إلى بدن