قال المسعودي : وكان أهل مأرب يعبدون الشمس ، فبعث الله إليهم رسلا يدعونهم الى الله ويزجرونهم عمّا هم عليه ، ويذكّرونهم آلاء الله ونعمته عليهم ، فجحدوا قولهم وردّوا كلامهم وأنكروا ان يكون لله عليهم نعمة وقالوا لهم : ان كنتم رسلا فادعوا الله ان يسلبنا ما انعم به علينا ويذهب عنّا ما أعطانا فدعت عليهم رسلهم فأرسل الله عليهم سيلا هدم سدّهم وغشى الماء أرضهم فأهلك شجرهم وأباد خضرا عمّهم وأزال أنعامهم وأموالهم! فأتوا رسلهم فقالوا : ادعوا الله أن يخلف علينا نعمتنا ويخصب بلادنا ويرد علينا ما شرد من أنعامنا ، ونعطيكم موثقا ان لا نشرك بالله شيئا. فسألت الرسل ربها فأجابهم الى ذلك وأعطاهم ما سألوا.
فأخصبت بلادهم واتسعت عمائرهم الى أرض فلسطين والشام قرى ومنازل وأسواقا. فأتتهم رسلهم فقالوا : موعدكم ان تؤمنوا بالله ، فأبوا الّا طغيانا وكفرا فمزّقهم الله كلّ ممزّق» (١).
ولا بدّ هنا من استدراك :
كان هذا مهذّب ما كتبه العرب عنهم بعد الاسلام ، تأريخا نقليا ظنيّا ، بل مزيجا بالأساطير. وظل هكذا مبهما حتى أواسط القرن الماضي ، حيث جدّ علماء الآثار والحفريات الأثرية التاريخية الغربيون في قراءة آثارهم المنقوشة بالخط المسند على الأبراج والهياكل والنصب والأحجار ، فاستقرّ رأي الباحثين من علماء العرب على ما يلي موجزا :
إن العرب الجنوبيين في اليمن ليسوا من هجرة بابل بالعراق ، بل هم من الموجة السامية الأخيرة التي بدأت في أواخر (الألف الثاني ق م وأوائل الألف ق م) ، أي في حدود خمسة عشر قرنا قبل الاسلام ، متّجهة من شمال الجزيرة
__________________
(١) مروج الذهب ٢ : ١٧٤ ، ١٧٥.