وكان للعرب حكّام يتحاكمون إليهم في منافراتهم ومواريثهم ومياههم ودمائهم ، فكانوا يحكّمون اهل الشرف والصدق والأمانة والرئاسة والسّن والمجد والتجربة ، اذ لم يكن لهم دين يرجعون الى شرعه. وقد عدّ اليعقوبي عددا غير قليل من هؤلاء الحكّام القضاة : قضاة التحكيم (١).
وكانت اديان العرب مختلفة باختلاف المجاورات لأهل الملل : فدخل قوم من العرب في دين اليهود ، ودخل آخرون في النصرانية ، وتزندق منهم قوم فقالوا بالثنوية : فأمّا من تهوّد منهم فان قوما من الأوس والخزرج بعد خروجهم من اليمن لمجاورتهم يهود خيبر وقريظة والنضير تهوّدوا ، وتهود قوم من بني الحارث بن كعب وقوم من بني غسّان ، وقوم من جذام ، وانّ تبّع اليمني حمل حبرين من أحبار اليهود فأبطل الأوثان وتهوّد من باليمن (٢).
وأمّا من تنصّر من احياء العرب : فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزّى منهم ورقة بن نوفل ، ومن بني تميم ، وبني تغلب ، ومن اليمن طيء ومذحج وبهراء وسليح وتنوخ وغسّان ولخم وتزندق جمع منهم حجر بن عمرو الكندي وغيره (٣).
وروى الكليني في (فروع الكافي) بسنده عن الباقر عليهالسلام قال : كان في أيديهم أشياء كثيرة من الحنيفية من تحريم الأمهات والبنات وما حرّم الله في النكاح ، الّا انّهم كانوا يستحلون امرأة الأب وابنة الأخت والجمع بين الأختين ، وكان في أيديهم الحج والتلبية والغسل من الجنابة الّا ما أحدثوا في تلبيتهم وفي حجّهم من الشرك (٤).
__________________
(١) اليعقوبي ١ : ٢٥٨.
(٢) مرّ مفصّل هذا الخبر وعلّقنا عليه بأنّه مناف لما في القرآن الكريم من سبق اليهودية الى اليمن على عهد بلقيس وسليمان أي قبل تبّع هذا بسبعة قرون.
(٣) اليعقوبي ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٧.
(٤) فروع الكافي ١ : ٢٢٣.