قال المسعودي : وكانت ولاية البيت ثلاث خصال : الاجازة بالناس من عرفة ، والإفاضة بالناس غداة النحر الى منى ، والنسيء للشهور الحرم. وكانت النسأة في بني مالك بن كنانة ، وذلك انّ العرب كانت اذا فرغت من الحج وأرادت الرجوع اجتمعت الى شريف كنانة فيقوم فيهم فيقول : اللهم انّي قد أحللت أحد الصّفرين : الصّفر الأوّل ، وأنسأت الآخر للعام المقبل (١).
قال اليعقوبي : وكان الحج واجازة الناس من عرفات للغوث بن مرّ الملقب بالصوفة ، وكانت الحجابة لخزاعة. فلمّا حضر الحج جمع قصيّ إليه قومه من بني فهر بن مالك وحال بين صوفة وبين الإجازة ، فعلمت بنو بكر وخزاعة ان قصيّا سيصنع بهم كما صنع بصوفة فسيحول بينهم وبين الأمر بمكّة وحجابة البيت. فانحازوا عنه وصاروا الى صوفة ، فأجمع قصي لحربهم واستمد من اخوانه من الرضاعة في بني عذرة من قضاعة ، وقيل انّهم وافوا يريدون الحج فأعانوه ، فاقتتلوا قتالا شديدا بالأبطح وكثرت القتلى في الفريقين ثمّ تداعوا الى الصلح بالتحاكم الى يعمر بن عوف من بني كنانة ، فقضى بينهم بأنّ قصيّا أولى بالبيت وأمر مكّة من خزاعة ، وأنّ كلّ دم أصابه قصيّ من خزاعة وبني بكر فهو موضوع ، وأنّ ما اصابت خزاعة وبنو بكر من قريش ففيه الدية ، فودّوا خمسا وعشرين بدنة وثلاثين حرجا ، أي قطيعا من الغنم.
وروى بعضهم : أنّه لمّا تزوج قصيّ حبّى ابنة حليل الخزاعي ، أوصى حليل عند موته بولاية البيت الى قصيّ.
وقال آخرون : بل دفع حليل الخزاعي مفتاح البيت الى أبي غبشان سليمان بن عمرو ، فاشتراه قصي منه بزق خمر على ابل قعود ـ وهي الناقة الّتي يقتعدها
__________________
(١) مروج الذهب ٢ : ٣٠ ويقصد بالصّفر الأوّل : محرم.