جعل بابها الى جهة الكعبة ، فكانت قريش تقضي امورها فيه ، فكانوا لا يتشاورون في أمر نزل بهم ، ولا يعقدون لواء لحرب قوم من غيرهم الّا في داره ـ دار الندوة ـ يعقده لهم أحد ولده ، حتّى الجارية من قريش كانت اذا بلغت ان تتدرّع ـ أي تلبس الدراعة وهي ستر كالعباءة القصيرة ـ لم تكن تتدرّع الّا في داره ـ دار الندوة ـ ففيها كان يشقّ لها درّاعتها ثمّ ينطلق بها أهلها (١).
وكان قصيّ هو الّذي فرض الرّفادة على قريش وأمرهم بها فقال «يا معشر قريش! إنّكم جيران الله وأهل بيته ، أهل الحرم ، وانّ الحاجّ ضيف الله وزوّار بيته ، وهم أحق الضيف بالكرامة ، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتّى يصدروا عنكم».
فكانوا يخرجون لذلك كلّ عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه فيصنعه طعاما للناس ايّام منى ، فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد وجرى ذلك فيهم حتّى ظهر الإسلام.
فلمّا كبر قصيّ ودقّ عظمه ، رأى أنّ عبد مناف قد شرف في زمانه وهو ثاني أبنائه وبكره هو عبد الدار ، فقال له : أما والله يا بني لالحقنّك بهم وان كانوا قد شرفوا عليك : لا يدخل الكعبة رجل حتّى تفتحها أنت لهم ، ولا يعقد أحد لواء حرب لقريش الّا أنت ، ولا يشرب احد بمكّة الّا من سقايتك ، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما الّا من طعامك ، ولا تقطع قريش أمرا من امورها الّا في دارك. فأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة ودار الندوة الّتي لا تقضي أمرا من أمورها الّا فيها ، فجعل إليه قصي كلّ ما كان بيده من أمر قومه ، وكان قصيّ لا يخالف ولا يرد عليه شيء صنعه (٢).
__________________
(١) ابن اسحاق فی السیرة ١ : ١٣١ ـ ١٣٢.
(٢) ابن اسحاق فی السیرة ١ : ١٣٦ ـ ١٣٧.