وذلك أنّ تجارة قريش كانت لا تعدو مكّة فكانوا في ضيق ، حتّى ركب هاشم الى الشام الى قيصر ، فقال له : أيّها الملك انّ لي قوما من تجار العرب ، فتكتب لهم كتابا يؤمنهم ويؤمن من تجاراتهم حتّى يأتوا بما يستطرف من أدم (١) الحجاز وثيابه. ففعل قيصر ذلك ، فانصرف هاشم فجعل كلّما مرّ بحيّ من أحياء العرب أخذ من أشرافهم الإيلاف ـ أي العهد ـ أن يأمنوا عندهم وفي أرضهم ، فأخذ الإيلاف من الشام الى مكّة (٢) وذلك قول الله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)(٣).
وخرج هاشم بتجارات عظيمة يريد الشام ، فجعل يمر بأشراف العرب فيحمل لهم التجارات ولا يلزمهم لها مؤونة حتّى صار الى «غزّة» فتوفي بها.
وإنمّا لقب بهاشم ـ واسمه عمرو ـ لانه كان يهشم الخبز ويصبّ عليه المرق واللحم فيطعمهم بمكّة ومنى وعرفات والمزدلفة يثرد لهم الخبز في السمن واللحم والسويق ، ويأمر بحياض من أدم فتجعل في موضع زمزم ، فيسقي الناس فيها من الآبار الّتي بمكّة (٤) أمّا زمزم فقد كانت جرهم طمّته ولم يحفر بعد.
وقد نقل اليعقوبي خبرا عن تاجر من بني كلاب حضر موسم الحج فوصف لنا كيفية رفادة هاشم فقال :
قال الأسود بن شعر الكلبيّ : كنت عسّيفا ـ أي عاملا ـ لعقيلة من عقائل الحيّ ، أركب الصعبة والذلول ، لا أبقي مطرحا من البلاد أرتجي فيه ربحا من الأموال الّا ركبت إليه من الشام بأثاثه وخرثيّه ـ أي متاعه ـ أريد كبّة العرب أي جماعتهم.
__________________
(١) الادم بفتحتين : جمع الأديم : الجلد المدبوغ ، والادم بضمتين : جمع الإدام للطعام.
(٢) اليعقوبي ١ : ٢٤٤.
(٣) قريش : ١ ـ ٤.
(٤) اليعقوبي ١ : ٢٤٢ ـ ٢٤٤.