ثمّ قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد ، فلم نزل نتعرّف من الله الزيادة والخير ، وكانت غنمي ترجع إلينا بعد العصر شباعا قد امتلأ ضرعها من اللبن ، وترجع غنم القوم جياعا لا تشرح بقطرة لبن. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ يشبّ ما لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه من الرضاعة حتّى غلظ واشتدّ جسمه ، حتّى اذا مضت سنتاه وفصلته ، فقدمنا به على امّه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا لما نرجو من بركته ، فكلمنا امّه فلم نزل بها حتّى ردته معنا فرجعنا به.
قالت حليمة : وبعد مقدمنا به بأشهر احتملناه فقدمنا به على امّه.
فقالت آمنة : ما أقدمك به وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك؟
فقلت : قد بلغ الله بابني وقضيت الّذي عليّ ، وتخوفت الأحداث عليه ، فأديته إليك كما كنت تحبّين.
فقالت : أفتخوفت عليه الشيطان؟ قالت : قلت : نعم. قالت : كلّا والله ما للشيطان عليه من سبيل. ثمّ أخبرتها بما رأته منه حين حمله ووضعه.
قال ابن اسحاق : حدثني بعض أهل العلم : انّ ممّا هاج امّه السعدية على رده الى امّه : ان نفرا من نصارى الحبشة رأوه فنظروا إليه وسألوها عنه وقلبوه ثمّ قالوا لها : انه يكون لهذا الغلام شأن نحن نعرف أمره ، وأرادوا ان يأخذوه الى بلدهم ، حتّى كادت ان لا تنفلت به منهم.
قال ابن اسحاق : يتحدث الناس : انّها لمّا قدمت به الى مكّة نحو اهله افتقدته في الناس ، وكلّما التمسته لم تجده ، فأتت عبد المطلب فقالت له : انّي قد قدمت بمحمد البارحة ، فلمّا كنت بأعلى مكّة افتقدته فو الله ما أدري أين هو؟
فقام عبد المطّلب عند الكعبة يدعو الله ان يردّه عليه ، فوجده رجلان من قريش أحدهما ورقة بن نوفل بن أسد ـ ابن عمّ خديجة ـ فأتيا به عبد المطّلب