وروى الطبري في تأريخه بسنده عن محمّد بن الحنفية عن أبيه علي عليهالسلام قال : سمعت رسول الله يقول : ما هممت بشيء ممّا كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين ، كلّ ذلك يحول الله بيني وبين ما اريد من ذلك ، ثمّ ما هممت بسوء حتّى أكرمني الله برسالته.
قلت ليلة لغلام من قريش كان يرعى معي بأعلى مكّة : لو أبصرت لي غنمي ، حتّى أدخل مكّة فأسمر (١) بها كما يسمر الشباب فخرجت اريد ذلك ، حتّى اذا جئت أوّل دار من دور مكّة سمعت عزفا بالدفّ والمزامير ، فقلت : ما هذا؟ قالوا : هذا فلان تزوّج ابنة فلان. فجلست أنظر إليهم ، فضرب الله على اذني فنمت ، فما أيقظني الّا مسّ الشمس ، فرجعت الى صاحبي ، فقال : ما فعلت؟ فقلت : ما صنعت شيئا. ثمّ أخبرته الخبر.
ثمّ قلت له ليلة اخرى مثل ذلك ، فقال : افعل. فخرجت فسمعت حين دخلت مكّة مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليلة ، فجلست أنظر ، فضرب الله على اذني ، فما أيقظني الّا مسّ الشمس ، فرجعت الى صاحبي فأخبرته الخبر. ثمّ ما هممت بعدها بسوء ، حتّى أكرمني الله برسالته (٢).
وقال ابن اسحاق : شبّ رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ والله تعالى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ، لما يريد به من كرامة ورسالة ، حتّى بلغ أن كان رجلا ، أفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقا ، وأكرمهم حسبا ، وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا ، وأعظمهم أمانة حتّى ما اسمه في قومه الّا الأمين ، وأبعدهم عن الفحش والأخلاق الّتي تدنّس الرجال ، تنزها وتكرما ، جمع الله فيه كلّ ذلك (٣).
__________________
(١) سهرة الليل.
(٢) الطبري ٢ : ٢٧٩ ورواه عنه أبن أبي الحديد ١٣ : ٢٠٧.
(٣) ابن اسحاق في السيرة١ : ١٩٤ ثمّ قال : وذكر لي : انّ رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله]