وروى ابن منظور هذا الحديث في «لسان العرب» فقال : يريد المعاقدة على الخير ونصرة الحقّ ، وبذا يجتمع هذا الحديث وحديث آخر له هو «لا حلف في الإسلام» على أن يكون المراد من هذا الحديث الثاني النهي عمّا كانت تفعله الجاهلية من المحالفة على الفتن والقتال بين القبائل والغارات.
وقيل : انّ الحديث الثاني وهو «لا حلف في الإسلام» جاء لاحقا ، قاله الرسول ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ زمن الفتح ، فهو ناسخ للحديث الأوّل (١).
ولعلّ خصوصية بعد الفتح أن يشمل امضاؤه صلىاللهعليهوآله في هذا الحديث للحلف الّذي كان قد عقده جدّه عبد المطّلب مع جمع من خزاعة ، فلمّا قتلت قريش عددا من خزاعة استنصروا النبيّ استنادا إليه فكان فتح مكّة مستندا إليه.
وهذا يدلّ على أنّ الإسلام بما أنّه مع مقتضيات العقل والفطرة الطبيعية الإنسانية لذلك يستجيب لكلّ ما ينسجم مع أهدافه السامية ممّا فيه خير الانسان وصلاحه. وقد أمضى هذين الحلفين من عبد المطّلب مع خزاعة والزبير في حلف الفضول لما فيهما من الفضل والعدل ، ولو كان هناك أي حلف آخر ينسجم مع أهدافه لأمضاه كذلك. أمّا ما رووه عنه صلىاللهعليهوآله ممّا يدلّ على لزوم التمسك بكلّ الأحلاف الجاهلية فإنّما هي دعوة خبيثة مريضة في أغراضها اللّاإسلامية.
أمّا عن علل استجابة من استجاب لهذا الحلف فبإمكاننا أن نعدّ ثلاثة عوامل :
أ ـ استجابة لنداء الوجدان الاخلاقي الانساني والدافع الفطّري وحكم عقولهم.
__________________
(١) لسان العرب مادة حلف ، وعنه في هامش ابن اسحاق في السيرة١ : ١٤٠.