ولعلّ من مصاديق ذلك ما رفعه ابن اسحاق يقول : ذكر لي : أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ كان ممّا يحدّث به عمّا كان الله يحفظه به في صغره وأمر جاهليته! أنّه قال : «لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل الحجارة لبعض ما نلعب به ، فإنّي اقبل معهم وادبر ، وكلّنا قد أخذ إزاره فجعله على عاتقه ليحمل عليه الحجارة فتعرّى! اذ لكمني لاكم ثمّ قال : شدّ عليك إزارك ، وما أراه فأخذته وشددته عليّ ، ثمّ جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري عليّ من بين أصحابي» (١).
وان كان الطبري يروي في تأريخه بسنده عن محمّد بن الحنفية عن أبيه عليّ عليهالسلام قال : «سمعت رسول الله يقول : ما هممت بشيء ممّا كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرّتين ، كلّ ذلك يحول الله بيني وبين ما اريد من ذلك ، ثمّ ما هممت بسوء حتّى أكرمني الله برسالته.
قلت ليلة لغلام من قريش كان يرعى معي بأعلى مكّة : لو أبصرت لي غنمي حتّى أدخل مكّة فأسمر بها كما يسمر الشباب (!) فخرجت اريد ذلك ، حتّى اذا جئت أول دار من دور مكّة ، سمعت عزفا بالدّف والمزامير ، فقلت : ما هذا؟ قالوا : هذا فلان تزوّج ابنة فلان. فجلست أنظر إليهم ، فضرب الله على اذني فنمت ، فما أيقظني الّا مسّ الشمس ، فرجعت الى صاحبي ، فقال : ما فعلت؟ فقلت : ما صنعت شيئا ، ثمّ أخبرته الخبر.
ثمّ قلت له ليلة اخرى مثل ذلك ، فقال : افعل ، فخرجت فسمعت حين دخلت مكّة مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليلة ، فجلست أنظر ، فضرب الله على اذني ، فما أيقظني الّا مسّ الشمس ، فرجعت الى صاحبي فأخبرته الخبر ، ثمّ ما هممت بعدها بسوء حتّى أكرمني الله برسالته» (٢).
__________________
(١) ابن اسحاق في السيرة ١ : ١٩٤.
(٢) الطبري ٢ : ٢٧٩ ورواه عنه ابن أبي الحديد ١٣ : ٢٠٧.