وأوضح منه ما مرّ عن الطبري أيضا بسنده عن عامر الشعبي قال : «إنّ رسول الله نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة ، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين ، فكان يعلّمه الكلمة والشيء ولم ينزّل القرآن. فلمّا مضت ثلاث سنين قرن بنبوّته جبرئيل فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة : عشرا بمكّة وعشرا بالمدينة» (١).
والّذي نريده من هذه الروايات هو أنّ مبدأ نزول القرآن الكريم كان متأخرا عن النبوة بثلاث سنين ، فإذا لاحظنا الروايات القائلة بأنّ مدّه نزول القرآن على النبيّ استغرقت عشرين عاما ، مع الروايات القائلة بأنّ مدّة مكث النبيّ بعد النبوة بمكّة كانت ثلاث عشرة سنة ، استنتجنا : أنّ مبدأ نزول القرآن كان بعد النبوة بثلاث سنين ، اذ لا شكّ أنّ القرآن كان ينزل عليه حتّى عام وفاته (٢).
نعم روى الطبري كذلك عن ابن سعد عن الواقدي بسنده عن الشعبي أيضا قال : «قرن إسرافيل بنبوة رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ ثلاث سنين ، يسمع حسّه ولا يرى شخصه ، ثمّ كان بعد ذلك جبرئيل عليهالسلام» قال الواقدي : فذكرت ذلك لمحمّد بن صالح بن دينار فقال : والله يا ابن أخي لقد سمعت عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، وعاصم بن عمر ابن قتادة يحدّثان في المسجد ورجل عراقي يقول لهما هذا ، فانكراه جميعا وقالا : ما سمعنا ولا علمنا الّا أنّ جبرئيل هو الّذي قرن به ، وكان يأتيه الوحي من يوم نبّئ الى أن توفّي ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ (٣).
ولكن قال عنه صاحب «التمهيد» : «هذه الرواية وان كان فيها أشياء
__________________
(١) الطبري ٢ : ٣٨٧ وابن سعد في الطبقات ١ : ١٢٧ ومثله اليعقوبي مرسلا ٢ : ٢٣ وابن كثير في البداية والنهاية ٣ : ٤ عن ابن حنبل ، والسيوطي في الإتقان ١ : ٤٥.
(٢) التمهيد ١ : ٨٢.
(٣) الطبري ٢ : ٣٨٧ وفي الطبقات ١ : ١٩١.