البعثة ـ ثلاث سنين أو أربعا أو خمسا ـ لا يعلن دعوته ، لاشتداد الأمر عليه ، فكان لا يدعو الّا آحادا ممّن يرجو منهم الإيمان ، يدعوهم خفية ويسرّ إليهم الدعوة ، حتّى أذن له ربّه في ذلك وأمره أن يعلن دعوته.
وتؤيّده الروايات المأثورة من طرق الشيعة وأهل السنة : أنّه صلىاللهعليهوآله كان يكتتم في أوّل بعثته سنين لا يظهر فيها دعوته لعامّة الناس حتّى أنزل الله عليه : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) فخرج الى الناس وأظهر الدعوة. فالسورة مكّية نازلة في أوّل الدعوة العلنية» (١).
ثمّ لم يبيّن أنّه صلىاللهعليهوآله اذا كان ـ كما قال ـ لا يدعو الّا آحادا خفية وسرا ممّن يرجو منهم الإيمان ، فأين كان المستهزءون وبما ذا كانوا يستهزءون؟ وكيف كان استهزاؤهم حتّى انّ الرسول صلىاللهعليهوآله دعا عليهم فكفاه الله شرّهم وشرّ استهزائهم؟ واذا كان آخر هذه السورة بداية الإذن بالإعلان فما معنى أن تكون السورة لتعزية الرسول وصبره؟!
ولا يختص هذا الإشكال بالعلّامة الطباطبائي ، فقد درج الجميع على هذا القول بلا بيان لهذا الإجمال.
ولعلّه التفاتا الى هذا الإشكال ودفعا له قال السيد المرتضى في «الصحيح» : بعد أن أنذر عشيرته الأقربين انتشر أمر نبوته في مكّة ، وبدأت قريش تتعرض لشخصه صلىاللهعليهوآله بالاستهزاء والسخرية وأنواع التهم (٢).
ومن قبله السيد الحسني فقال في «سيرة المصطفى» : لقد تحدث ـ بعد دعوته صلىاللهعليهوآله عشيرته الأقربين ـ جميع الناس في مكّة عن دعوته ، وتسرّبت أنباؤها
__________________
(١) الميزان ١٢ : ٩٥ ، ٩٦.
(٢) الصحيح ٢ : ٢٦.