تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(١) وهي السورة الرابعة والخمسون في ترتيب النزول ، وقبلها في النزول سورة الشعراء وهي السابعة والأربعون الّتي في أواخرها قوله سبحانه : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(٢) لا نجد في كلّ ذلك ما يتناسب مع مرحلة الكتمان ، بل من خصائص السور المكّية ـ ومنها هذه السور ـ خطابها المشركين وجدالها. معهم في شركهم وكفرهم وجحودهم للمبدإ والمعاد ، ممّا لا يتناسب بظاهره مع الكتمان بل الإعلان.
فسور النمل والقصص والإسراء ويونس وهود ويوسف وحتّى الحجر ، وهي السور النازلة بعد الشعراء وقبل الحجر ، هي سور تساور المشركين وتحاورهم في كثير من آياتها ، وسورة الحجر بالخصوص تقول في بدايتها : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(٣) فهل هي من الكتمان في شيء؟!
بل قال العلّامة الطباطبائي في تفسيره في التعريف بسورة الحجر : «تشتمل السورة على الكلام حول استهزاء الكفّار بالنبيّ صلىاللهعليهوآله ورميه بالجنون ، ورمي القرآن الكريم بأنّه من أهذار الشياطين. ففيها تعزية للنبيّ صلىاللهعليهوآله وأمر بالصبر والثبات والصفح عنهم وتطييب لنفسه الشريفة وانذار وتبشير.
وتشتمل السورة على قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) والآية تقبل الانطباق على ما ضبطه التأريخ أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله اكتتم في أوّل
__________________
(١) الحجر : ٩٤.
(٢) الشعراء : ٢١٤.
(٣) الحجر : ٢ ـ ٧.