فما ذا يعني كلّ هذا الخطاب والعتاب بل التهديد بالعذاب والاعذار بالانذار؟ وهل كلّ هذا من الكتمان في شيء؟ والآية الأخيرة هل تعني أن يخفض جناحه لمن اتّبعه من المؤمنين بالدعوة الخاصّة ، خاصّة؟ أم مع من يؤمن به من عشيرته الأقربين في هذه الدعوة الخاصّة فحسب؟ أو يؤخذ باطلاق الآية وعمومها؟
والعلّامة الطباطبائي في تفسيره قال في بيان الغرض من هذه السورة : «غرض هذه السورة تسلية النبي صلىاللهعليهوآله قبال ما كذّبه قومه وكذّبوا بكتابه النازل عليه من ربّه. وقد رموه تارة بأنّه مجنون واخرى بأنّه شاعر ، وفيها تهديدهم مشفّعا ذلك بإيراد قصص جمع من الأنبياء وهم : موسى وابراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهمالسلام ، وما انتهت إليه عاقبة تكذيبهم ، لتتسلى به نفس النبيّ صلىاللهعليهوآله ولا يحزن بتكذيب أكثر قومه ، وليعتبر المكذبون. والسورة من عتائق السور المكية وأوائلها نزولا ، وقد اشتملت على قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)» (١).
ثمّ لم يبيّن متى كان تكذيب أكثر قومه له؟ وأين كان المكذّبون؟ وبما ذا كانوا يكذّبون؟ وبما ذا يعتبرون؟ وهو بعد لم يدع عشيرته الأقربين وإنمّا يدعوهم بعد نزول الآية في آخر هذه السورة نفسها! فكيف التوفيق؟!
ثمّ كيف هي من عتائق السور المكية وأوائلها نزولاً وقد ردّدت نزولها من الثالثة إلى الخامسة بعد البعثة؟!
والسورة الّتي تسبق الشعراء في ترتيب النزول هي سورة الواقعة ، وهي في أوائلها تثلّث الناس يوم القيامة : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) ثمّ تقسّم هؤلاء السابقين من
__________________
(١) الميزان ١٥ : ٢٤٩ ، ٢٥٠.