وجعلوا القرآن عضين أي جزّءوه أجزاء فقالوا : سحر ، وقالوا : مفترى ، وقالوا : أساطير الأوّلين (١) وكذلك روى الطبرسي في «مجمع البيان» عن الكلبي : أنّ المقتسمين كانوا ستة عشر رجلا خرجوا الى عقاب مكّة أيّام الحج على طريق الناس (الحجاج) على كلّ عقبة أربعة منهم ، ليصدّوا الناس عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، واذا سألهم الناس عمّا انزل على رسول الله قالوا : أحاديث الأوّلين وأباطيلهم (٢).
فلعلّ الوليد في بدايات الموسم بعث هؤلاء الستة عشر رجلا على طرق مكّة مقتسمينها فيما بينهم يصدّون من اتى مكّة عن الإيمان برسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولكنّهم كما اقتسموا طرق مكّة فيما بينهم قد اقتسموا القول في القرآن بين مكذّب وقائل : إنّه سحر وقائل إنّه أساطير الأوّلين.
ثمّ إنّ الوليد جمع إليه هؤلاء النفر من قريش وقال لهم : اجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذّب بعضكم بعضا ويرد قولكم بعضه بعضا. فقالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأيا نقول به ... ثمّ قال لهم : إنّ أقرب القول فيه أنّ تقولوا هو ساحر جاء بقول هو سحر يفرّق به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته. فتفرّقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمرّ بهم أحد الّا حذّروه إيّاه وذكروا لهم أمره ، فأنزل الله فيه قوله : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ...)(٣).
ثمّ نزل فيه خاصّة وفي خمسة من أصحابه : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) ولعلّ سائر السبعة عشر رجلا الّذين عدّهم محمّد بن ثور في تفسيره عن ابن عبّاس وابن جبير ـ على رواية ابن شهرآشوب ـ من المستهزئين ، هم من المقتسمين مع
__________________
(١) مجمع البيان ٦ : ٥٣١.
(٢) مجمع البيان ٦ : ٥٤٩.
(٣) ابن اسحاق في السيرة ١ : ٢٨٨ ، ٢٨٩.