رتّبوا في ترتيب النزول بعد سورة العلق : سورة القلم الّتي تفتتح بالآية : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) ممّا يوحي الى أنّ هذه الجملة إنمّا هي تنزيه له عمّا اتّهمه به المشركون من الجنون ، كما في الآية بعدها : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) وكما في الآية بعدها :
(فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) و (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(١) وليس من التأويل اذا بحث الدارس لهذه الآيات عن الشخص المعيّن المعنيّ بها ، بل الظاهر من الآيات هو ذلك وما عداه خلاف الظاهر.
ونقل الطبرسي ثلاثة أقوال في ذلك : قيل يعني الوليد بن المغيرة فإنّه عرض على النبيّ المال ليرجع عن دينه. وقيل يعني : الأخنس بن شريق الثقفي. وقيل : يعني : الأسود بن عبد يغوث (٢) بينما لم نجد خلافا في المعنيّ بأوصاف سورة المدثّر : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً) أنّه الوليد. وحقا وجدناه الوحيد الّذي يوصف في الأخبار التأريخية بذلك الوصف في المال والبنين ليس سواه ولم يوصف الآخران معه بذلك الوصف في المال والبنين ، فهو الأولى أن يكون المقصود عند الإطلاق والترديد.
أمّا متى تليت عليه الآيات؟ وأيّ آيات؟ ومن تلى؟ وكيف؟ وما هو تفصيل عرضه المال على الرسول ليرجع عن دينه أو عن الإعلان به ودعوته إليه؟ وكيف منع عن هذا الخير؟ فلم يبق لنا من تفسير المفسّرين الأوائل ، ولا الأخبار التأريخية الّا هذه الأقوال الثلاثة على الترديد فقط ، فضلا عمّا يحلّ لنا التنافي بين هذه الآيات من القرآن ودور الكتمان.
__________________
(١) القلم : ١٠ ـ ١٥.
(٢) مجمع البيان ١٠ : ٥٠١.