أنّ الحجاج كتب إلى عبد الملك : أنّ خليفة الرجل في أهله أكرم عليه من رسوله إليهم ، وكذلك الخلفاء يا أمير المؤمنين أعلى منزلة من المرسلين (١).
ولئن كانت هذه مخبّأة يوما فإنّ ذلك لم يدم طويلا حتّى حجّ الحجّاج ورأى الحجّاج يطوفون بقبر الرسول صلىاللهعليهوآله ومنبره بالمدينة فقال : تبا لهم إنّما يطوفون بأعواد ورمة بالية! هلّا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك؟! ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله؟!
قال المبرّد : إنّ ذلك ممّا كفّرت به الفقهاء الحجّاج (٢).
وبهذه النظرة فلا مانع لديه أن يرمي الكعبة بالمنجنيق ـ بل كما قيل ـ بالعذرة أيضا (٣). ولا يرى أية حرمة لمقام إبراهيم عليهالسلام فيحاول أن يضع رجله على المقام فيزجره عن ذلك محمّد بن الحنفية (٤).
وعلى هذه النظرة أيضا : «هلّا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك» فلا استبعاد لما احتمله السيد المرتضى العاملي : أن يكون الحجاج حين بنى مدينة (واسط) في العراق وسطا بين الكوفة والبصرة ، حوّل قبلتها من جهة الحجاز (الكعبة) إلى جهة الشام : إمّا قصر أمير المؤمنين (!) أو قبّة الصخرة الّتي بناها وأمر الناس بالحجّ إليها :
فقد ذكر اليعقوبي : أنّه لمّا استولى ابن الزبير على مكّة والحجاز كان يأخذ الحجّاج بالبيعة له فلمّا رأى ذلك عبد الملك منعهم من الخروج إلى الحج ، فضجّ الناس
__________________
(١) عن العقد الفريد ٢ : ٣٥٤.
(٢) الكامل للمبرد ١ : ٢٢٢ وسنن أبي داود ٤ : ٢٠٩ وشرح نهج البلاغة ١٥ : ٢٤٢ عن كتاب «افتراق هاشم وعبد شمس» لأبي العبّاس الدبّاس. والنصائح الكافية عن الجاحظ : ٨١ ، ونقل جدلا حوله الدكتور طه حسين في كتابه : الايام.
(٣) عن الفتوح لابن الأعثم الكوفي المتوفى ٣١٠ ج ٢ : ٤٨٢ وعقلاء المجانين : ١٧٨.
(٤) طبقات ابن سعد ٥ : ٨٤ والمصنف لعبد الرزاق ٥ : ٤٩ وربيع الابرار ١ : ٨٤٣.