وقالوا : تمنعنا من حجّ بيت الله الحرام وهو فرض من الله علينا؟! فقال لهم : هذا ابن شهاب الزهري يحدّثكم : أنّ رسول الله قال «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، ومسجد بيت المقدس» فهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام! وهذه الصخرة الّتي يروى : أنّ رسول الله وضع قدمه عليها لمّا صعد إلى السماء ، تقوم لكم مقام الكعبة!. فبنى على الصخرة قبّة وعلّق عليها ستور الدّيباج وأقام لها سدنة ، وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة! وأقام بذلك أيام بني اميّة (١).
وإلى هذا أشار الجاحظ في بعض آثاره فقال في المفاضلة بين بني هاشم وبني اميّة : وتفخر هاشم بأنّهم لم يهدموا الكعبة ، ولم يحوّلوا القبلة ، ولم يجعلوا الرسول دون الخليفة (٢).
ويفصّل هذا أيضا في بعض رسائله فيقول : حتّى قام عبد الملك بن مروان وابنه الوليد بالهدم وعلى حرم المدينة بالغزو ، فهدموا الكعبة واستباحوا الحرمة ، وحوّلوا قبلة واسط ـ إلى أن قال ـ فأحسب أنّ تحويل القبلة كان غلطا ، وهدم البيت كان تأويلا ، وأحسب ما رووا من كلّ وجه : أنّهم كانوا يزعمون : أنّ خليفة المرء في أهله أرفع عنده من رسوله إليهم (٣) ...
واحتمل السيد المرتضى العاملي : أن يكون هذا هو سر استحباب التياسر في القبلة لأهل العراق دون غيرهم عند أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، ويظهر أنّ خصوم الشيعة قد التفتوا إلى هذا منهم ، ولذلك كانوا يتّهمون من يتحرّى القبلة بالرفض.
__________________
(١) تأريخ اليعقوبي ٣ : ٨ ، وحياة الحيوان ١ : ٦٦ والبداية والنهاية ٨ : ٢٨٠ والانافة في معالم الخلافة ١ : ١٢٩. وانظر بحثا في هذا في السّنة قبل التدوين : ٥٠٢ ـ ٥٠٦.
(٢) عن آثار الجاحظ : ٢٠٥.
(٣) عن رسائل الجاحظ ٢ : ١٦.