فليتحوّل الى اخرى يتمكن منها فيها ، كقوله : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها)(١) وقبله روى الطوسي معناه عن مجاهد (٢).
فالكلام رواية عن مجاهد عن ابن عبّاس ، وهي لا تصرّح بمقصد الهجرة من مكّة الى أين ، ولم يرد دليل أو اشارة الى أنّ تعيين الهجرة الى الحبشة كان وحيا ، بل الظاهر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله رأى أنّ خير مصداق لسعة أرض الله لهم هي الحبشة ، وعبّر عن ذلك بقوله : «هي أرض صدق ؛ فإنّ بها ملكا لا يظلم عنده أحد» (٣).
وعن ظروف نزول هذه الآية في سورة الزمر قال الطبرسي في «مجمع البيان» : قال المفسرون : ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم ، فوثبت كلّ قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذّبونهم ، فافتتن من افتتن وعصم الله منهم من شاء. ومنع الله رسوله بعمه أبي طالب. فلمّا رأى رسول الله ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد ، أمرهم بالخروج الى أرض الحبشة وقال : انّ بها ملكا صالحا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد ، فاخرجوا إليه حتّى يجعل الله للمسلمين فرجا. وأراد به النجاشي ، واسمه أصحمة ـ وهو بالحبشة : عطية ـ وإنّما النجاشي اسم الملك كقولهم : كسرى وقيصر. فخرج إليها سرا أحد عشر رجلا وأربع نسوة ... فخرجوا الى البحر وأخذوا سفينة الى أرض الحبشة بنصف دينار. وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله. وهذه هي الهجرة الاولى (٤)
__________________
(١) مجمع البيان ٨ : ٧٦٧.
(٢) البيان ٩ : ١٣.
(٣) ابن اسحاق في السيرة١ : ٣٤٤ ورواه الطبرسي في مجمع البيان ٣ : ٣٦٠ عن المفسّرين.
(٤) مجمع البيان ٣ : ٣٦٠ وفي البحار عن المنتقى للكازروني قال : وكان مخرجهم في رجب في الخامسة ، وخرجت قريش في آثارهم ففاتوهم ، فأقاموا عند النجاشي شعبان ورمضان ورجعوا في شوال. البحار ١٨ : ٤٢٢.