فلمّا بلغ قريش خروجهم بعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد الى النجاشي ، ليردّوهم إليهم ، وكان عمرو وعمارة متعاديين ... فبرئت بنو مخزوم من جناية عمارة ، وبرئت بنو سهم من جناية عمرو بن العاص (١).
فوردوا على النجاشي ، وكانوا قد حملوا إليه هدايا فقبلها منهم.
ثمّ قال عمرو بن العاص : أيّها الملك ، انّ قوما منّا خالفونا في ديننا وسبّوا آلهتنا وصاروا إليك ، فردّهم إلينا.
فبعث النجاشي الى جعفر فجاؤوا به.
فقال له : يا جعفر ، ما يقول هؤلاء؟ قال جعفر : أيّها الملك وما يقولون؟ قال : يسألون أن أردّكم إليهم. قال : أيّها الملك ، سلهم : أعبيد نحن لهم؟ فقال عمرو : لا ، بل أحرار كرام. قال : فسلهم : ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟ قال : لا ، مالنا عليكم ديون. قال : فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟ قال عمرو : لا. قال : فما تريدون منّا؟! آذيتمونا فخرجنا من بلادكم.
فقال عمرو بن العاص : أيّها الملك خالفونا في ديننا وسبّوا آلهتنا وأفسدوا شبابنا وفرّقوا جماعتنا ، فردّهم إلينا لنجمع أمرنا.
فقال جعفر : نعم أيّها الملك ، خالفناهم بأنّه بعث الله فينا نبيّا أمر بخلع الأنداد ، وترك الاستقسام بالأزلام ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام (٢) ، وحرّم
__________________
(١) فلمّا ركبوا السفينة شربوا الخمر ، فقال عمارة لعمرو بن العاص ـ وكان قد اخرج معه أهله ـ قل لأهلك تقبّلني ، فقال عمرو : لا يجوز هذا! فسكت عمارة ، ولمّا انتشى عمرو ـ وكان على صدر السفينة ـ دفعه عمارة والقاه في البحر ، فتشبّث عمرو بصدر السفينة وأدركوه فأخرجوه.
(٢) وردت الزكاة في السور المكية منها في المزمّل في قوله سبحانه : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (المزمل : ٢٠) وهي السورة الثالثة أو الرابعة ، وفي سورة الأعراف قوله سبحانه : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ)